تعرض الصالات الفرنسية حالياً فيلم "خربانة" (العنوان الأصلي فرنسي Degradé) من إخراج الأخوين التوأم عرب (الاسم الأصلي محمد) وطرزان (الاسم الأصلي أحمد) أبو ناصر الذي احتُفي به في مهرجان "كان" العام الماضي ضمن مسابقة النقاد.
أول ما يستوقف المُشاهد العربي المشرقي في الفيلم هو اضطراره للاستعانة بالترجمة من وقت لآخر. ففي العديد من المواضع، يستحيل تمييز الكلمات لأن الخلفية الصوتية تشوّش على صوت المتكلم أو تحجبه. يعطيك ذلك منذ البداية انطباعاً بأن الفيلم موجّه للجمهور الغربي حصراً، وهو انطباع يترسّخ في ما بعد.
يدور الفيلم كله في صالون نسائي لتصفيف الشعر تديره مهاجرة روسية تدعى كريستينا. في الخلفية أو الشارع، رجال المافيا المسيطرة على الحي خطفوا أسداً من حديقة الحيوانات وأخذوا يتبخترون به كما لو كان حيواناً أليفاً لاستعراض قوتهم.
لدينا هنا عناصر حبكة هوليوودية كلاسيكية تجمع بين الكوميديا والأكشن (حبكة المافيا التي تسرق حيواناً مفترساً نموذجية ومستهلكة في هذا النوع من الأفلام). لكننا لسنا هنا في بروكلين، بل في غزة.
في مقابلة مع "تيليراما"، يقول الأخوان أبو ناصر بأنهما يريدان "كسر سوء الفهم" كي يرى العالم "الحياة الحقيقية" في غزة ويكف عن الاعتقاد "أنهم (أي الغزاويون) كلهم إرهابيون". فكيف تريدون للغربيات أن يتعاطفن مع الغزاويات إن لم يرين أنهن يذهبن مثلهنّ لتصفيف الشعر وتقليم الأظافر لدى مصففّات روسيات ويلعبن بهواتفهن الذكية وهن ينتظرن أدوارهن؟ وحين تسأل إحدى الزبونات المصفّفة الروسية عن سبب بقائها في القطاع، تجيبها بأن الوضع في روسيا ليس أفضل بالضرورة، كما أن عملها وزبائنها وعائلتها في غزة الآن.
في هذا الفيلم، لا يظهر موضوع "إسرائيل" إلا في الهامش. إحدى النساء تقول إنها تتوقع حرباً جديدة مع إسرائيل، فتلمّح أخرى إلى الرابط بين الانتخابات الإسرائيلية والحرب مع غزة. امرأة أخرى تقول إن كل الأطباء في غزة لم ينجحوا في مداواة سعالها، إلا أنها لم تتمكن من الحصول على "تصريح" لزيارة القدس بداعي العلاج.
في المقابل، يحضر العنف الفلسطيني الداخلي بشدة في المعركة الشرسة بين حركة حماس و"غيريلّا" خاطفي الأسد. السمة الأساسية للفيلم تكمن في مقاربته النسوية الكاريكاتورية التي صارت تذكرة المخرجين العرب والمسلمين الذهبية إلى الصالات الغربية.
لا يظهر الرجال الفلسطينيون إلا بصورة طُفيليين يعيشون على حساب نسائهم أو عنيفين يبرّحوهن ضرباً أو إسلاميين متطرّفين يريدون إجبارهن على لبس النقاب أو مليشياويين مدمنين على المخدرات، أما النساء الفلسطينيات فبطلات أسطوريات يواظبن على الحياة وتصفيف الشعر وتقليم الأظافر في خضمّ الحرب الأهلية وفي جحيم هذا المجتمع الذكوري الهمجي.
وبينما يتذابح الرجال في الخارج، تقول المرأة التي يضربها زوجها إن فلسطين كانت لتكون بألف خير لو كانت تحكمها النساء، وتعطي لكل من الزبونات حقيبة وزارية في حكومة متخيّلة، في حين تترك لكريستينا الروسية ملف "التنسيق الأمني" مع "إسرائيل".
من الملفت أن "إسرائيل" شنّت عدوانها المسمى "الجرف الصامد" على القطاع أثناء تصوير الفيلم فيه. كان بوسع المخرجين ربما أن يستخدما كاميرتهما لينقلا الوضع الحقيقي والمأساوي في "غيتو" غزة الرازح تحت القصف والحصار (من البديهي أن الغربيين لا يحتاجون إلى من "ينوّرهم" في موضوع "حماس" ووضع النساء في العالم العربي). لكن عندها، ما كان الفيلم أن يصل إلى "كان" ولا إلى أي صالة غربية.