بعد ما عاشته أوروبا في عامي 2015 و2016 من عمليات إرهابية تبنّتها تنظيمات إسلاموية متطرّفة، جرت استعادة ذلك الخطاب الذي يلقي باللوم على الشرق أو الجنوب كفضاءات منتجة للعنف، غير أن ما يجري تجاهله هو أن الغرب نفسه يمثّل عامل تغذية لـ "الإرهاب".
في كتابه "الإسلاموية المتطرفة في أوروبا.. دراسة حالة الجهاديين الفرنسيين في الشرق الأوسط"، يتّخذ الباحث العراقي وليد كاصد الزيدي من فرنسا ميداناً لدراسة الظاهرة الإرهابية وتنامي الإسلام المتطرّف فيها.
الكتاب الصادر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" يضمّ أربعة فصول، أوّلها يخصّصه المؤلف لتحديد وفحص مصطلحات ومفاهيم يجري استعمالها بكثرة في الخطاب الغربي، مثل "الإسلاموية و"الجهاد" وغيرها ملاحظاً مثلاً أن استعمال مفردة "الإسلاموية" محاولة لتسييس الرموز والتقاليد الدينية واستخدامها أيديولوجياً.
في الفصل الثاني، يحاول الباحث العراقي إعادة تركيب تاريخ الإسلام في أوروبا الحديثة والذي يرى بأنه جزء من تاريخ المهاجرين المسلمين، وصولاً إلى بداية تشكّل الجماعات المتطرّفة بين هؤلاء وهنا يبرز دور السياسات التي اتبعت مع/ضد هؤلاء، وخصوصاً نموذج "التشابهية" الذي طُبِّق في فرنسا، ونموذج "التعدّدية الثقافية" الذي طُبِّق في بريطانيا، وكلاهما لم يمنع فئات من المهاجرين من السقوط في التهميش والفقر والتعرّض للعنصرية وغياب الحاضنة الاجتماعية والفكرية والاقتصادية.
يبحث الزيدي في الفصل الثالث، في نشأة التطرّف الإسلامي في داخل فرنسا في مرحلة أولى، وفي الثانية بداية تحرّك الإسلامويين نحو "الشرق الأوسط"، وهنا يتطرّق إلى كيفية إعداد "الجهاديين" في فرنسا قبل ذهابهم إلى العراق أو سورية، والأدوار التي تلعبها شخصيات في التوجيه والتأطير سواء في مدن بعينها أو من خلال الإنترنت.
أما في الفصل الأخير من العمل، فيلتفت الزيدي إلى الإجراءات الحكومية في فرنسا في مواجهة ظاهرة الجهاديين الفرنسيين مثل تهيئة التشريعات لمحاكمة المتطرّفين أو مراقبتهم على الأرض أو على الإنترنت.
في خاتمة كتابه، يقدّم المؤلف مقترحات للحدّ من ظاهرة التطرف في أوروبا معتبراً أن ذلك لم يعد مهمّة جهة واحدة، وإنما هي "مهمّة إنسانية" ينبغي أن يتكاتف العالم أجمع لإنجازها.