في هذا السياق، بدا لافتاً إعلان "متاحف قطر" بدء مشروعها البحثي، الأوّل في منطقة الخليج، لاستكشاف خصائص البيئة البحرية القطرية وآثارها الغارقة، مع انطلاق العمل منتصف العام الحالي لمجموعة بحثية مكوّنة من خبراء دوليين ومحليين متخصّصين في مجال الدراسات البحرية.
من أبرز المسائل التي تلحّ على المؤّرخين والباحثين في العلوم الاجتماعية تفسير الانقطاعات الحضارية في شبه الجزيرة العربية، خاصة في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، حيث تراجع النشاط الاستيطاني نتيجة مؤثّرات بيئية ومائية، وهي فرضية تحتاج إلى مزيد من البحث لإلقاء الضوء عليها.
من شأن هذه المشاريع العلمية أن تفنّد الكثير من المقاربات والتعميمات التي يطرحها مستشرقون ودارسون عرب أيضاً حول تاريخ الخليج العربي وامتداده عبر التأثير والتأثّر بمحيطه وتطوّر أنماط الإنتاج لدى سكّانه، والتي تتجاهل فترة ما قبل الإسلام من جهة، ثم الفترة التي خرج فيها المسلمون وأسسوا مراكز حضارية جديدة (بغداد ودمشق والقاهرة والأندلس)، لتُهمل المنطقة مجدّداً حتى اكتشاف النفط فيها.
تعود الفكرة إلى العام الماضي، إذ وقّعت "متاحف قطر" مذكرة تفاهم مع "مركز العلوم البيئية" في "جامعة قطر" لإنجاز دراسة أولى تتناول الخصائص البحرية بهدف التوصّل إلى اكتشافات جديدة تلقي الضوء على تاريخ التجارة البحرية في المنطقة، وتطوير قاعدة بيانات تعتمد على النتائج التي تتوصّل إليها سفينة الأبحاث البحرية المتطورة "جنان" التابعة للجامعة.
تطوّرت الجهود نحو توقيع اتفاقيات بين المتاحف والجامعة، و"جامعة يورك" البريطانية ووزارة التراث الثقافي و"الأنشطة السياحية الإيطالية"، في مشروعٍ يستمر خمس سنوات يسعى خلالها إلى "كشف العديد من الأسرار المرتبطة بالأنماط المعيشية والسلوكيات والمفاهيم الدينية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالبحر في العصور الماضية"، بحسب القائمين عليه.
كما يُعقد على هامش المشروع العديد من المحاضرات والندوات وورش العمل والبرامج التدريبية بالتعاون مع المدارس والجامعات من أجل بناء كوادر محلية تختصّ بالعمل في مجال الآثار الغارقة وإعداد برامج تعليمية تُعنى بكل ما يتعلّق بها.
ويتضمّن التقرير النهائي للدراسة تسجيل وتوثيق جميع مواقع الآثار الغارقة وأماكن توزيعها وإمكانية الوصول إليها والاستفادة منها في البرامج العلمية، وتأصيل الدراسات التاريخية والأثرية البحرية، وكتابة تاريخ علم الآثار بشكل علمي وعميق لدولة قطر.
وعلى ضوء نتائج الدراسة، سيجري إنشاء أرشيف رقمي لمواقع التراث الثقافي البحري ووضع خرائط لمواقع التراث البحري عالية الدقة باستخدام أحدث التقنيات في أجهزة الاستشعار عن بعد، وجمع البيانات البحرية، وإنشاء مكاتب رقمية للمواقع الأثرية، ووضع خطّة لتطوير أماكن السياحة التراثية البحرية.