الأمر نفسه مع فروقات معروفة وقع لـ برلين، التي بدأ تقسيمها مع الحرب العالمية الثانية، عام 1945، حيث أصبحت أربع مناطق كلّ واحدة تحت سيطرة دولة مختلفة؛ الاتحاد السوفييتي، أميركا، بريطانيا وفرنسا، ثم استمر تقسيمها بعد أن أصبحت شرقية وغربية، لتكون ساحة من ساحات الحرب الباردة.
التقاطعات بين مدينتين مشطورتين، حتى وإن لم يعد هناك جدار أو خط تماس، هي المنطقة التي تعمل عليها الفنانة الألمانية الإسبانية أندريا مونراس تزولير، عبر إنجاز تجهيز يعرض عند السابعة من مساء غدٍ الثلاثاء ويتواصل حتى العاشر من الشهر الجاري، في الـ "مانسيون" في بيروت تحت عنوان "حدود غير مرئية - بيروت، برلين".
يعيد التجهيز/ المشروع النظر في راهن المدينتين انطلاقاً من المسارات المضطربة المتشابهة التي عرفتاها في الماضي؛ "تاريخ متشابه من الانقسام، انقسام قوامه جبهة أمامية في بيروت وجدار في برلين" كما تقول الفنانة في حديث لـ "العربي الجديد".
قامت تزولير بسلسلة من الأبحاث التاريخية والبصرية والعمرانية والاجتماعية لكل مدينة على حدة، فقد كان انشغالها الأساسي هو "العواقب التي جلبتها الصراعات على النسيج الحضري والسكان في المكانين".
وللحديث عن العواقب كان لا بد من الخوض في دور الذاكرة، فالجيل الذي عاصر الانقسام حياً مختلف عن الجيل الذي يعيش عواقب ذلك الماضي العنيف، والذي ولد بعد نهايته، إذ يبدو أن السؤال الأساسي هو هل ينتهي عنف التاريخ بنهاية الواقعة التاريخية نفسها؟ أم أن هذا العنف يجد لنفسه صوراً جديدة يتجسّد فيها ويستمر.
تقارن تزولير بين جيل ما بعد الحرب في برلين وبيروت، فتفتّش عن إجابات لـ "ما المخلّفات المشتركة، الحسّية وغير الحسية، التي يمكن استخلاصها من كلتا المدينتين؟ وما هي أوجه التشابه بينهما عند النظر عن كثب إلى جروحهما الجسدية والاجتماعية والنفسية بعد ما يناهز الثلاثة عقود على نهاية حقبة من تاريخهما؟".
يتضمّن التجهيز ثلاثة فيديوهات، الأول يجمع بين المدينتين بحيث تصيران مدينة واحدة، والثاني عن المواصلات العامة والتنقّل بين الشرقية والغربية في برلين وبيروت، والثالث يضمّ مقتطفات من مقابلات مع 48 شخصاً من المدينتين متعدّدي الخلفيات الاجتماعية والثقافية، هناك أيضاً بحث في مجلات وجرائد ألمانية ولبنانية صدرت أثناء الحرب الأهلية أو الباردة، كما تعرض الفنانة تجهيزاً صغيراً يمثّل الحدود والأرض اللامرئية والتي يقسمها البشر في أذهانهم دون أن تكون موجودة على أرض الواقع.
تقول تزولير لـ "العربي الجديد"، إنها اختارت المدينتين بعد أن عاشت في كلّ منهما وبدأت تلحظ الكثير من التقاطعات التي دفعتها لإجراء المزيد من البحث والتأكد من أن هذه المنطقة المشتركة موجودة فعلاً وهناك براهين عليها.