افتتحت الندوة ورقة أستاذ الأدب المقارن في "جامعة الجزائر" وحيد بوعزيز، الذي ناقش حدود الدراسات ما بعد الكولونيالية، من خلال تقديم قراءة في كتاب "ما بعد المستعمرة" للمفكر الكاميروني آشيل مامبي. حيث يرى بوعزيز أن "الدراسات الثقافية بشقّها الكولونيالي وما بعد الكولونيالي شغلت حيزاً كبيراً في المشهد النقدي العالمي والعربي، ويرجع سبب ذلك إلى المراجعة الجذرية للمناهج الشكلية التي ساهمت في تقليص المسافة الجمالية بين القارئ والنص والعالم. فالعودة إلى السياق، انطلاقاً من منظور جدلي فاعل بين النص والعالم، ساهم في إعادة النظر إلى الإنتاجية النصية في ضوء ما يسمى بالتجربة التاريخية".
من هنا يؤكد أن هذه الدراسات لم تكن "بمنأى عن هذا المعطى النقدي الجديد، فهي كغيرها من المقولات النظرية الجديدة تأثرت، كذلك، بالبراديغم المعرفي الجديد؛ حيث تتفاعل الكثير من المجالات لتنصهر في كيان نظري واحد".
في هذا السياق يفهم بوعزيز المشروع الديكولونيالي لمامبي، بأنه انتبه إلى أن "النقد ما بعد الكولونيالي لم يول اهتماماً بالاختلافات الجوهرية بين الاستعمارات؛ فإنشاء نظرية واحدة لهذا الاختلاف الجغرافي-التاريخي سيتناسى الكثير من الفوارق التي يمكن أن تفتح هذا المجال على نسبية ثقافية أكثر من كونية نظرية". حاول الباحث في مداخلته عرض أهمّ المحطّات عند مامبي، من ذلك قراءته لفانون وتبشيره بمجال الديكولونيالية كبديل للكولونيالية وما بعدها، ونقده للاستفراق L'Africanisme واقتراحه لمبادئ نظرية تساهم في إخراج الكينونة الأفريقية من استلابها الكولونيالي.
في الدراسة السوسيولسانية للمجتمع الجزائري التي قدمتها الباحثة صحرة دحمان بعنوان "الكريول ومشكلة الازدواج اللغوي في البلدان المستقلة"، طرحت الأستاذة في "جامعة الجزائر" عدّة أسئلة جوهرية؛ من بينها البحث في نتائج السياسة اللغوية الاستعمارية الفرنسية على المستوى اللغوي بعد الاستقلال، ومحاولة تعريف حدود الازدواج اللغوي في الجزائر، وإن كان من الممكن الحديث عن مجتمع جزائري مزدوج اللغة. كما تناولت الظواهر اللغوية الأكثر حضوراً لدى النّاطقين الجزائريين في ممارساتهم اللغوية.
وافترضت جملة من الفرضيات لمعالجة هذا الموضوع تتمثّل في ظاهرة الكريول والمزج اللغوي على اعتبار أنها من أكثر الظواهر اللغوية السلبية التي خلّفها الاستعمار في المجتمع الجزائري. ونظّرت الباحثة إلى أن هذه الظاهرة كانت أسلوباً من أساليب المقاومة لأفراد الشّعب الجزائري في العهد الاستعماري. أما استمرارها فترجعه إلى أسباب أخرى بعد الاستقلال.
ترى الباحثة أن "من أخطر ما خلّفه الاستعمار الفرنسي هو نشر الأمية بدل التعليم وتجهيل شعب كامل بنسبة 95 %، حيث عكس هذا الاستعمار موازين القوى وحوّل الشّعب الجزائري من شعب متعلّم إلى شعب أميّ، ذلك أنّ عدد الأميين غداة الاحتلال الفرنسي للجزائر لم يتجاوز 5%". وتقول "كان ميراث الجزائر والجزائريين ثقيلاً ثِقل طول زمن الاستعمار. وبعد الاستقلال وجدت الجزائر نفسها في مواجهة تحديات كبيرة، ولم يكن بالإمكان محو كلّ تلك الآثار المترتبة عن هذا الميراث، لأنّ من سنن الاجتماع الإنساني مهما كان هذا الاجتماع أن يخلّف أثراً أو آثاراً، فما بال استعمار دام قرناً وربع القرن؟".
من جهتها تناولت الأكاديمية زهيرة بولفوس، في ورقتها "التجريب الشعري العربي: ذاتية الرد على المركزية الشعرية الغربية، المنجز الجزائري والمصري أنموذجاً". وتناقش الأستاذة في "جامعة الإخوة منتوري - قسنطينة" كيف استطاعت الأشكال الشعرية الجديدة وروّادها في الشعرين الجزائري والمصري تحقيق خصوصيتها العربية واختلافها عن الشعر التجريبي الغربي. وتستكشف كيف استطاعت الذات الشاعرة أن تردّ رمزياً على مركزية الآخر وسلطته بتفكيك استراتيجيات هيمنته.
في محور "الذاكرة والتاريخ وذاتية المحكي النسوي في كتابات روائية عربية ما بعد كولونيالية"، تقول الأكاديمية حياة أم السعد أن ثمة "مجموعة لا بأس بها من الكاتبات العربيات الرائدات اللواتي عرف أدبهن انزياحاً عن الموضوعات المطروقة عادة في الكتابة النسوية، بل ملن إلى تناول القضايا السياسية، والتاريخية، ومسائل الذاكرة والاستعمار والعبودية". اختارت الباحثة الروائيات الجزائرية آسيا جبار والمصريات سلوى بكر ورضوى عاشور وأهداف سويف والأردنية سميحة خريس. ولجأت إلى مقولات ميخائيل باختين لتحليل النصوص.
المحاضر عبد الرحمن وغليسي تناول "السرديات المتحارِبَة وتزييف التاريخ.. قراءة طِباقية بين ''قصة الحب والظلام'' لـ عاموس عوز و''الطنطورية'' لـ رضوى عاشور. ركز الباحث على قراءة "نصوص أدبية التي اشتغلت على القضية الفلسطينية وتاريخ الصراع العربي/ الإسرائيلي منذ نشأته إلى اليوم في ضوء الدراسات ما بعد الكولونيالية والنقد الثقافي.
واختبر الباحث صمود الادّعاءات والأكاذيب التي اخترعها الطرف القوي لكسب المعركة عسكرياً ونفسياً، وتبرير السياسات العنصرية والتصفية العرقية والمشروعية التاريخية لقيام دولة دينية وعرقية بواسطة تشويه التاريخ وكتابته من وجهة نظر صهيونية تتجاهل الوجود الحقيقي للسكان الأصليين/ الفلسطينيين. وفي الطرف الآخر يركز على الوعي العربي بضرورة مراجعة التاريخ وتصحيحه من وجهة نظر نضالية، والردّ على الآخر وتفكيك خطاباته الفوقية ذات النزوع الاستشراقي".
اختار وغليسي رواية عوز، حيث يرى أنها نص "يكتسب أهميته لأنه يتبنّى الايديولوجيا الصهيونية بوضوح، ويروّج للأفكار القومية و''فكرة إسرائيل'' كما يحلّلها المؤرخ إيلان بابيه، كما يتجاهل حقيقة طرد الفلسطينيين من أرضهم وتشريدهم".
أما النص الثاني لعاشور، فيقول عنه الباحث إنه "يقدم سردية بديلة تروي من خلالها قصة قرية فلسطينية (الطنطورة) تعرضتْ للتطهير العرقي، ودُفع بسكانها الناجين من الموت للرحيل والعيش في المنفى، والأهم في الرواية وعي الكاتبة بضرورة المقاومة والردّ على السرود المتسيِّدة التي تصوّر العرب كتهديد لليهود في الشرق الأوسط".