يذهب غالباً إلى استخدام الأسود والأبيض، مجرّداً الطبيعة من سلطة اللون، ومحرّراً المتلقي من الوقوع تحت سلطة الافتتان المعتاد بالطبيعة وتدرّجاتها، كأن الدجاني يريد أن يُظهر نيغاتيف الطبيعة، وليس سحرها المألوف ولا ما نتوقّعه ونريده منها.
"كتاب الفِلاحة" عنوان المعرض الذي افتتح في التاسع من الشهر الماضي في "البيت العربي" بمدينة قرطبة الإسبانية، ويتواصل حتى الثامن عشر من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، إلى جانب كتابين يتضمّنان سلسلة من النقوش المصوّرة.
يجمع المشروع بين مجموعة متنوعة من الموضوعات التي استوحاها الفنان من رحلته الشخصية في منطقة البشرات بالقرب من مدينة غرناطة في إقليم أندلسيا، حيث زارها عدة مرات بين عامي 2012 و2016، مستلهماً من تضاريسها التي تتكون من وديان تنحدر بشدة من تلال سييرا نيفادا في الشمال إلى جبال الميخارا والكونترابييسا والغادور، التي تفصلها عن ساحل البحر المتوسط جنوباً.
واختار عنوان معرضه بعد دراسة لتطوّر الزراعة (الفلاحة) في الحضارة الأندلسية، متتبعاً إنجازاتها في إنتاج الأغذية واستدامتها، وكذلك في تربية المواشي والري، وقد وضع علماء الأندلس العديد من المؤلّفات حول ذلك، ومن أبرزها "كتاب الفلاحة" لأبي زكريا ابن العوام الإشبيلي وضمّنه أكثر من ألف صفحة من النصوص والرسومات.
تقوم فكرة المعرض على استكشاف الزراعة في تلك المنطقة من خلال الصور الفوتوغرافية، وليس فقط بالاعتماد على المصادر التاريخية، كما يعود إلى لوحات العديد من الفنانين الإسبان الذي رسموا نفس المنطقة مثل فرانثيسكو دي غويا ودييغو فيلاثكيث وخوان سانشيز وفرانسيسكو دي زورباران، إضافة إلى صور الفوتوغرافي خوسيه أورتيز تشاغيه.
تم إنتاج المطبوعات التي نراها في المعرض على هيئة نقوش مصورة إلى جانب نصوص تتضمّن نبذة تاريخية ومعلومات عن كلّ مشهد وبعض الاقتباسات القديمة المكتوبة باللغة العربية والإسبانية والإنكليزية.
الثيمة المشتركة في كلّ مجموعات الدجاني الفوتوغرافية التي حاورت الطبيعة هي إظهار التضاريس غامضةً وغرائبية، حتى حين يظهر الإنسان وهو يحمل ثمرة من ثمارها كما لو كان مجرّد حامل للطبيعة أو شريك لها ولا سلطة له عليها.