تعيش السويد هذه الأيام على وقع أرقام صادمة للمستهلكين في زيادة أسعار المواد الغذائية، بنسب غير مسبوقة منذ خمسينيات القرن الماضي.
وتتوقع بعض المصارف الكبرى في البلد، بينها سويدبنك ودانسكا بنك ومؤسسة نورديا المالية، استمرار "صدمة التضخم" بالتأثير بالأُسَر في البلد. هذا بالإضافة إلى التلويح من معظم المصارف بأنها ستضطر إلى رفع أسعار الفائدة، في الوقت الذي تشهد فيه الأسواق الإسكندنافية عموماً تراجعاً في أسعار المنازل والشقق، وبشكل مقلق بالنسبة إلى البعض.
وسجلت هيئة الإحصاء السويدية عن شهر فبراير/ شباط الماضي ارتفاع نسبة التضخم بشكل غير مسبوق، إذ وصلت إلى 12%، ما انعكس سلباً على المستهلكين، وخصوصاً الأسر.
وبرغم توقعات سابقة بارتفاع التضخم، إلا أنها تجاوزت النسبة الأعلى المتوقعة بنحو 11.7%، كذلك ذهب المحلل الاقتصادي في "سويد بنك" كارل نيلسون في تعقيبه على هذه التطورات السلبية. وذكر نيلسون في تصريحات صحافية محلية اليوم الأربعاء أن التضخم الحالي "مرتفع للغاية، ومن الواضح أنه أعلى بكثير مما توقعناه".
تأثير التضخم بفاتورة المعيشة في السويد يضرب جيوب الأسر السويدية، وبالأخص ذات المداخيل المنخفضة، التي وجدت نفسها مضطرة إلى دفع فاتورة باهظة للطاقة، إضافة إلى المواد الاستهلاكية الضرورية. ويشير خبراء ومحللون محليون إلى أن ارتفاع الأسعار الغذائية أمر لم تشهده السويد منذ 70 سنة.
ويلاحظ المتسوقون في المتاجر أن السلل الغذائية باتت تكلف أكثر مع مرور الأيام، وبشكل محدد، فإن منتجات الألبان والحليب الأساسية والزبدة باتت تحلّق عالياً.
ومن خلال أرقام التضخم لشهر فبراير/ شباط الماضي، فإن التأثير يطاول مشتريات الأُسَر من البقاليات، حيث في المتوسط ارتفعت الأسعار بنسبة 21%، مقارنة بذات الشهر من العام الماضي.
وأكد المحلل وخبير إحصاءات أسعار المواد الغذائية جون إلياسون، في بيان صحافي حول هذه الزيادة، أن هذا الارتفاع "لم تشهده حتى فترتا السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وعلينا العودة إلى عام 1951 للعثور على فترة اثني عشر شهراً ارتفعت فيها أسعار المواد الغذائية بأكثر من 20%".
ووفقاً لأرقام هيئة الإحصاء السويدية، فإن الارتفاع السريع في أسعار المواد الغذائية يشمل تقريباً جميع السلع (بنسب متفاوتة)، وهي تشكل خُمس معدل التضخم عن الشهر الماضي.
المواد البسيطة، مثل البيض والدهون والألبان -على سبيل المثال- زادت بنسبة 30%، هذا إلى جانب الخُضَر، باستثناء البصل الذي انخفض بنحو 11%.
بل إن بعض المواد وصل الارتفاع فيها إلى 48%، كما هو الحال مع القرنبيط، بينما ذهبت الطماطم إلى 38%، إضافة إلى خضروات أخرى تحلّق في الأسعار، لتزيد من معاناة الأسر التي ترهقها أساساً ارتفاع أسعار الفائدة والطاقة.
يؤكد بعض المتابعين لتأثير ارتفاع الأسعار والتضخم في السويد، أن ذلك سيؤثر في أولويات الأُسَر التي تتعرض لضغوط اقتصادية كبيرة، حيث يتجه هؤلاء إلى شراء كميات طعام أقل وتخفيض في نسبة الطعام العضوي الذي اعتادوه، وتكون أسعاره عادة أعلى من غيره، وبصورة رئيسة الخُضَر والفواكه والحبوب والألبان والحليب والزبدة.
ورغم أن بعض أسعار المواد الخام تتراجع قليلاً في السوق العالمي، يطرح البعض شكوكاً بشأن عدم تراجع الأسعار الاستهلاكية محلياً، وهو النقاش نفسه الدائر في أسواق دول الجوار الإسكندنافي، ومرده إلى ما يسمونه "الجشع"، وانتهازية تجار التجزئة للفرص من أجل رفع أسعار لا تتوافق مع أسعار التكلفة.
وتخوض "هيئة المنافسة" السويدية (المنوط بها دراسة أنماط السوق وأسعاره ومنع الاحتكار المؤثر سلباً في المستهلك) في أبحاث متواصلة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بالتعاون مع جامعة لوند (جنوبيّ السويد) للكشف عمّا إذا كان بالفعل يلعب الجشع دوراً في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، ويركزون على الحليب ومشتقاته واللحوم الطازجة.
وتنظر الحكومة السويدية بقلق إلى هذه التطورات التي تؤثر في المستهلكين. وفي ضوء الأرقام المعلنة اليوم الأربعاء، دعت وزيرة المالية السويدية، إليزابيث سفنتيسون، إلى اجتماع طارئ مع عمالقة المواد الغذائية في البلد.
واعتبرت الوزيرة أنّ "من غير المقبول وجود لاعبين يرفعون الأسعار دون داعٍ"، في إشارة إلى تكهنات بعض الخبراء بوجود "جشع" ودوافع تربح بسبب الأزمة القائمة منذ عام في أنحاء أوروبا.
وشددت أيضاً على أن هذا الارتفاع غير المبرر في أسعار بعض المواد، بنسبة تفوق 22% في المتوسط، تساهم في زيادة التضخم، مشددة على أن هذه القضية ستكون محور المناقشات مع "اللاعبين الكبار"، الذين يهيمنون على سلاسل المتاجر الكبيرة.