تمر هذه الأيام الذكرى الثانية عشرة لـثورة فبراير الليبية في ظل أزمات معيشية خانقة ومتلاحقة يكابدها مواطنون ثاروا لتحسين أوضاعهم فانخفضت قيمة العملة ونهش الغلاء جيبوبهم، وتعمقت أزمات السيولة لدى المصارف التجارية، وتدهور مستوى الخدمات العامة إلى حد كبير.
وتأتي كذلك وسط نظرات تفاؤلية بشأن رفع الصادرات النفطية وتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق ليبيا نمواً بنسبة 17.9% خلال 2023، وهي أعلى نسبة على المستوى العربي.
ويؤكد مدير "مركز أويا للدراسات الاقتصادية" أحمد أبولسين أنّ الصورة العامة على مستوى الاقتصاد الكلي "غير إيجابية، ومن ذلك زيادة الرواتب بشكل اسمي وغير حقيقي مع زيادة الإنفاق العام على حساب تخفيض قيمة العملة".
ويوضح، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ ليبيا تعاني من الركود فضلاً عن العجز في ميزان المدفوعات، أي أنّ الدولارات الخارجة أكبر من الدولارات الداخلة للبلاد، مشيراً إلى أنّ التضخم تراكمي ولم ينخفض كما تشير البيانات الحكومية، ومؤكداً أنّ تضخم أسعار المستهلكين يفوق 33%.
ومن جهة أخرى، يرى المحلل الاقتصادي محمد الشيباني، أنّ اقتصاد ليبيا ريعي ويعتمد على سلعة واحدة وهي النفط، ويقول، لـ"العربي الجديد"، إنّ المؤشرات "تعتبر متفائلة بصورة كبيرة بشأن رفع إنتاج النفط، ومع مشاريع الغاز سنزيد مداخيل العملة الصعبة لتقوية القوة الشرائية للدينار".
ويشير أستاذ الاقتصاد الجامعي محمد عبيد إلى 6 أزمات مرّت على ليبيا من قفل الحقول والموانئ النفطية، ووجود حكومة ثانية، إضافة إلى صرف الأموال وزيادة للرواتب من دون وجود موازنة عامة، وكذلك أزمة استقالات مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، وأزمة سعر الصرف، وغلاء الأسعار.
ويوضح، لـ"العربي الجديد"، أنّ سعر الصرف قفز 10% خلال عام 2022، ولم يخفض المصرف المركزي السعر للمحافظة على القدرة الشرائية للدينار، فيما ثمة إنفاق مواز عبر الحكومة المعيّنة من مجلس النواب.
وبلغ عدد العاملين في القطاع العام 2.3 مليون موظف حكومي في مختلف أنحاء البلاد حتى نهاية يونيو/ حزيران الماضي، أو ما يشكل 31 % من عدد سكان ليبيا، البالغ 7.4 ملايين نسمة بنهاية عام 2019.
الموظفة نسرين بن إسماعيل المقيمة في سكن الخاص بالأطباء بمستشفى الخضراء بالقرب من وسط العاصمة طرابلس، تقول إنّ الحياة صارت سلسلة من الأزمات المعيشية، من غلاء الأسعار إلى اختفاء السلع الأساسية من الأسواق، خاصة الدقيق، إضافة إلى محدودية قيمة الرواتب.
وتضيف لـ"العربي الجديد" أنّ زيادة المرتب تساهم إلى حد بعيد في حل مشكلة اقتصادية لأسرة مكونة من 5 أشخاص، مع صرف منحة الأبناء في وقتها بحيث تكفي لسد الاحتياجات وتمنع إلى حد كبير الوقوع في براثن الفقر والعوز.
وأدى انقسام الحكومتين في مارس/ آذار 2022 إلى تطورات عسكرية ومحاولة الحكومة المعينة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا الدخول إلى طرابلس بقوة السلاح، كما تسببت حكومة باشاغا بإطاحة نائب المحافظ علي الجبري بعد رفض تمويلها بقيمة 10 مليارات دينار.
ولا تزال حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، تدير الموازنة العامة السنوية على القاعدة الاثني عشرية، إضافة إلى موازنة استثنائية للمؤسسة الوطنية للنفط بـ34 مليار دينار. (الدولار= 4.81 دنانير).
وتسعى ليبيا إلى رفع إنتاج النفط إلى مليوني برميل يومياً في غضون 3 سنوات، كما تسعى إلى أن تكون رائدة في مجال الغاز، وفقاً للخطة الاستراتيجية للمؤسسة الوطنية النفط.
وكان مصرف ليبيا المركزي في طرابلس قد أوضح أنّ إنفاق ليبيا خلال عام 2022، بلغ 127.9 مليار دينار (26.7 مليار دولار)، بينما بلغت الإيرادات النفطية والسيادية 134.5 مليار دينار (28 مليار دولار).
وتعتمد الحكومة في معظم دخلها على إنتاج النفط والغاز، إضافة إلى العوائد الناجمة عن مبيعات النقد الأجنبي، بعد أن خفضت عملتها 70% من 1.4 دينار إلى 4.48 دنانير، وارتفع السعر إلى 4.85 بسبب ارتفاع الفائدة الأميركية.
وازدهرت السوق السوداء منذ أحداث ثورة فبراير 2011، وبدأ الليبيون يسافرون إلى الخارج ويسحبون مبالغ بعشرات آلاف الدولارات على بطاقات الائتمان بالسعر الموحد ويحولونها إلى دينار في السوق الموازي (السوداء) لتحقيق هامش ربح إضافي.
ويقول تاجر عملة في منطقة الظهرة يُدعى عبد الهادي بن عون، لـ"العربي الجديد"، إنّ المواطن يسعى للحصول على بطاقة الائتمانية لغرض الحصول على مبالغ مالية تعينه على مصاعب الحياة، فضلاً عن قيام بعض المواطنين ببيع أوراق استخراج البطاقة مقابل الحصول على ألف دينار.
وسجل سعر الدينار الليبي الرسمي انخفاضاً أمام الدولار، على خلفية رفع الولايات المتحدة سعر الفائدة، مع الحرب الدائرة في أوكرانيا، ليقفز سعر الدولار 10% منذ مطلع العام الحالي، ويكسر حاجز 5 دنانير، فيما يصل السعر في السوق الموازي إلى 5.1 دنانير.