أزمة الدولار تشجع المنتجين المصريين على صناعة الكوفية الفلسطينية بدلاً من استيرادها من الصين

24 ديسمبر 2023
ينتشر استهلاك الكوفية مع سخونة الأحداث في الأراضي الفلسطينية (Getty)
+ الخط -

استعادت الكوفية الفلسطينية مكانتها في الأسواق وأعناق المصريين، منذ الساعات الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة.

شهدت صناعة الكوفية الفلسطينية ابتكارات لأشكال وبألوان عديدة، تحافظ جميعها على الرؤية البصرية التي تعكس وحدة الهوية الوطنية وحدود الأرض، والسعر المقبول من المواطنين الذين يقبلون على شرائها، رغم الأزمة الاقتصادية التي تواجه الأسر، مع تراجع الجنيه، وتضخم لم تشهد له البلاد مثيلا على مدار قرن.

أقبل المصنّعون على تلبية احتياجات السوق من الكوفية، في ظل تزايد الطلب، وعدم قدرة المورّدين على استيراد نسخها الجاهزة من الأسواق الصينية، لنقص حاد في الدولار في البنوك، وتفضيل المستهلكين للكوفية المنتجَة محلياً من الأقطان والمنسوجات اليدوية.

ينتشر استهلاك الكوفية مع سخونة الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وظهرت جلية منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ثمانينيات القرن الماضي. مع ذلك، لا تملك غرفة الصناعات النسيجية بيانات محددة عن الكميات المنتجة من أقمشة الكوفيات في المصانع المحلية.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وحسب تصريحات مصدر مسؤول في الغرفة لـ"العربي الجديد"، ترصد الغرفة كميات الغزول والأقمشة المنتجة واحتياجات المصانع من مستلزمات الإنتاج من الأسواق المحلية والدولية.

ويشير المصدر إلى صعوبة تتبّع نوعية المنتجات، لأن البعض ينتجها ضمن الملابس الجاهزة، وآخرون يسجلونها ضمن المفروشات المنزلية، منوها إلى أن ظاهرة الإنتاج واضحة في الزيادة خلال الشهرين الماضيين، يظهر أثرها في انتشار المنتجات بمراكز البيع الشعبية والتجارية.

وتنتشر صناعة الكوفيات الجيدة، في المصانع المتوسطة التي تنتجها من الأقطان والغزول المخلوطة بالبوليستر، فيما تتولى المصانع الصغيرة إنتاج الكوفيات من الألياف الصناعية والأقمشة الخفيفة المطبوعة.

تضامن المصريين مع غزة (Getty)
ازدهرت المبيعات في الأسابيع الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة (Getty)

تتميز الطبعات الشعبية برخص سعرها، وتوزع عبر باعة يستهدفون التجمعات الواسعة، عند مداخل المساجد والملاعب، والنقابات التي تشهد تظاهرات من حين لآخر لدعم القضية الفلسطينية.

تظل الكوفية المغزولة بالأقطان التي تتشكل من حرف أبيض حول قطعة القماش، يليه خطان متوازيان يشيران إلى عمق الدولة الفلسطينية من بين النهر والبحر، بينهما تعرّجات على هيئة ورق غصن الزيتون، بوسطها شبكة صيد الأسماك الواسعة، هي الأعلى جودة والأكثر قيمة، يحرص على اقتنائها السياسيون والشخصيات العامة، الذين يحتفون بارتدائها، مزيّلة بخريطة فلسطين أو قبة الصخرة والمسجد الأقصى.

يتخذ عشاق الكوفية القطن من وسم #كوفيتنا_هويتنا شعارا لتشجيع الإقبال عليها، لا سيما أن منتجها الأصلي جاء عبر أحد المصنعين الفلسطينيين الذي بنى مصنعا في الأردن للترويج للكوفية، في مصر ودول المنطقة، باعتبارها إحدى علامات الهوية الوطنية ولكل من يسعى إلى نصرة القضية الفلسطينية.

يفضل الكبار كوفية "ياسر عرفات"، والتي تتكون من الشال والعقال الرفيع التي ارتداها الزعيم الفلسطيني الراحل في مقتبل رحلة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الفلسطيني، الذي استعاد معها أحد رموز الثورة العربية الكبرى، ضد الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية التي بدأت بطرد أهل الأرض من أملاكهم عام 1936.

تضامن المصريين مع غزة (Getty)
تتفق أهداف محبي الكوفية على دعم أبطال غزة ونصرة الشعب الفلسطيني (Getty)

يقبل الشباب على الكوفية ذات الأشكال الحديثة التي تحتفظ بعناصرها الرئيسية، مع مزيد من الزركشة بالأشكال والألوان، تظهر جلية في تظاهرات المواطنين وسط صحن المسجد الأزهر وأمام نقابتي الصحفيين والمحامين، التي تجري من حين لآخر بدعم من لجنة التحالف الشعبي مع غزة وانتفاضة الأقصى.

يضيف الشباب إلى الكوفية أسورة أو سبحة مصنوعة يدويا على شكل علم فلسطين.

أنتجت بعض المصانع كوفية بألوان العلم الفلسطيني، لتكون غطاءً للرأس وعلما في نفس الوقت، وبعضها يحمل لونا يصبح أحمر، أو ذهبيا أو أخضر أو أحمر مع الخطوط السوداء التي تحدد الشكل العام للكوفية.

تفننت الشركات في عرض كوفيات خاصة بالبنات كبيرة الحجم، مرسوم بين مربعات الشبكة الداخلية الواسعة خريطة فلسطين، مزيّنة بألوان ترسم العلم الفلسطيني في نفس الوقت.

أصبحت الكوفية بالنسبة للفتيات شالا وغطاء للرأس، أو علما كبيرا بوسطه الأبيض زخارف شبكة الكوفية.

في استجابة لصحوة المصريين مع إخوانهم المحاصرين في قطاع غزة، أنتجت عدة شركات الكوفية كغطاء للأسرّة والمقاعد الوثيرة وعلى شكل بطانية على مساحات 2x2.5 متر مربع، متعددة الرسوم.

ترتكز تلك المنتجات على شبكة الصياد والخطين المتوازيين وأوراق الزيتون، يضاف إليهم أحيانا خريطة فلسطين، والعلم الوطني أو رسوم حنظلة الغاضب للراحل ناجي العلي.

كما توجهت شركات الملابس إلى طباعة خريطة فلسطين مرسومة بخطوط الكوفية، والتي انتشرت صرعتها بين الشباب من الجنسين، وأخرى مكتوب عليها فلسطين بخطوط جمالية عربية وإنكليزية.

تتفق أهداف محبي الكوفية على دعم أبطال غزة ونصرة الشعب الفلسطيني لحين استعادة أرضه وحقوقه المسلوبة، وتختلف الأذواق والأسعار.

تباع الكوفية المطبوعة على أقمشة بوليستر للأطفال ما بين 30 (نحو دولار) إلى 50 جنيها، وللكبار ما بين 70 إلى 120 جنيها، كما يذكر أشرف عرفان أحد موزعي الكوفيات والأعلام الفلسطينية في سوق غزة بمنطقة الموسكي التجارية، وسط العاصمة.

تقل الأسعار مع طلبات الجملة، وتختلف وفقا لمساحة الكوفية ونوعية الأقمشة وعدد الألوان المطبوعة أو المنسوجة.

يؤكد عرفان لـ"العربي الجديد" أن المنتجات المتوسطة تباع ما بين 160 إلى 300 جنيه، ترتفع إلى متوسط 500 جنيه لكوفية المفروشات المنزلية، والأقطان عالية المستوى.

تضامن الصحفيين المصريين مع غزة (Getty)
أقبل المصريون على ارتداء الكوفية تضامنا مع الشعب الفلسطيني (Getty)

يؤكد عرفان "أن البيع بالجملة ازدهر في الأسابيع الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة، 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مع لجوء المواطنين إلى مقر مسجد الأزهر الشريف وسط القاهرة، للمشاركة في تظاهرات تندد بالعدوان، تلاها فترة من التراجع، بعد أن حظرت الأجهزة الأمنية خروج مظاهرات في المساجد والميادين العامة".

يشير عرفان إلى لجوء الموزعين إلى بيع الكوفيات عند مراكز التجمعات أمام الأندية والنقابات وفي الأسواق الشعبية بوسط القاهرة والإسكندرية والمحافظات، حرصا منهم على دعم أبناء غزة، وتوزيع ما أنتجته المصانع من كميات هائلة خلال الشهرين الماضيين.

وتحولت أغلب المصانع إلى تصريف أعمالها بتسويقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وظفت الشركات مئات من ما يعرف بـ"الطيارين" الذين يقودون الدراجات البخارية، لنقل الأطعمة والمشروبات والطلبات الخاصة للمنازل، مقابل مبالغ بسيطة قيمة التوصيل.

يؤكد مصطفى السيد، أحد "الطيارين" العاملين بمنطقة 6 أكتوبر، أن طلبات شراء الكوفية مرتفعة في المنطقة التي يعمل في دائرتها، غرب العاصمة، منوها إلى أنها منحته فرصة للعمل خلال الشهر الماضي، مع انخفاض الطلب على شراء المأكولات من المطاعم والمحلات المنتشرة في المنطقة، متأثرة بدعاوى المقاطعة للشركات الداعمة لإسرائيل.

يقول السيد لـ"العربي الجديد" لم تعوضنا مبيعات الكوفية بنفس القدر الذي خسرناه من نقل الأطعمة والمشروبات، مع ذلك منحتنا فرصة للمشاركة في دعم إخواننا في غزة، الذين لا نملك لهم إلا الدعاء بالنصر.

وأشار إلى ملاحظته أن الأسر التي تشتري الكوفية، بدأت تستعين بـ"الطيارين" في شراء احتياجاتهم من الأسواق الشعبية، في نفس الوقت، وكأنه تعويض عما نقوم به من جهد في جلب منتجات الكوفيات والأعلام الفلسطينية للمنازل.

كما لجأت المصانع المتوسطة والمنتجون لكوفيات ذات جدوى عالية إلى بيع منتجاتها عبر مراكز التوزيع والتسويق الإلكتروني الكبرى مثل "علي إكسبريس" الصينية و"جوميا" و"أمازون" الأميركية، من دون الانتباه إلى أن أمازون خاضعة للعقوبات الشعبية التي ترفض التعامل مع الشركات الداعمة للعدوان الإسرائيلي على غزة.

المساهمون