تضع أزمة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة في سورية المواطنين في مواجهة غلاء بدائل الطاقة، إذ وصلت ساعات التقنين الكهربائي في مناطق سيطرة النظام إلى أكثر من 20 ساعة يومياً، في حين يعاني المواطنون من تردي الأوضاع الاقتصادية، إذ قفزت تكلفة معيشة الأسرة إلى ما يعادل 1297 دولاراً في الشهر، بينما متوسط الرواتب يبلغ نحو 25 دولاراً.
يقول ماهر نجم (43 عاماً)، مقيم في ضواحي دمشق الجنوبية، لـ"العربي الجديد": "لا نشعر بأنّ لدينا كهرباء بالأصل، فساعات قطع التيار تصل إلى أربع ساعات ونصف الساعة، يقابلها ساعة ونصف الساعة وصل، وغالباً خلال فترة الوصل تقطع عدة مرات أو يحدث عطل فيتم ضم هذه الفترة لفترة القطع".
تلف الأدوات الكهربائية
ويضيف نجم: "عندما يأتي التيار الكهربائي نضع أيدينا على قلوبنا، فإما يأتي التيار قوياً جداً أو ضعيفا جداً، وبالحالتين نكون مهددين بخسارة إحدى الأدوات الكهربائية المنزلية التي أصبحت من شبه المستحيل تعويضها أو حتى إصلاحها"، لافتاً إلى أنّ "البدائل أضحت مكلفة جداً في ظل ارتفاع أسعار المولدات وعدم توفر الوقود".
من جانبه، يقول ميلاد عوض (36 عاماً)، موظف مقيم في دمشق، لـ"العربي الجديد": "المدخرات الكهربائية الصغيرة (البطاريات) طاقة 9 أمبير ثمنها أكثر من 30 ألف ليرة، وهي بالكاد تؤمن إنارة لغرفة ومطبخ لمدة ثلاث ساعات إن كانت جديدة، وهذه المدخرات غير مكفولة (لا تحظى بضمان) فقد تخدم سنة أو شهراً، وبالتالي كلّ فترة تحتاج إلى أخرى جديدة، وإن كان الشخص يريد تأمين إنارة جيدة فعليه أن يشتري واحدة ذات قدرة أكبر وهذا يعني دفع مئات آلاف الليرات لينير منزله فقط".
ويضيف: "هناك مدخرات ثمنها يتجاوز المليون ليرة، في حين راتبي الشهري نحو 85 ألف ليرة (سعر صرف الدولار نحو 3400 ليرة) هناك عائلات الإنارة لديها في منازلها بالكاد تسمح لأفرادها تلمس طريقهم، وبالرغم أنّ لديهم طلاباً يحتاجون الإنارة للدراسة، لكنّهم بالمقابل لا يمتلكون اللازم لتأمين تلك الإنارة التي بالحدّ الأدنى تحتاج إلى 300 ألف ليرة، واليوم ساعات التقنين الطويلة حرمت الأهالي من القدرة حتى على شحن تلك المدخرات، والبديل المتاح اليوم هو ألواح الطاقة الشمسية وهي أيضاً مكلفة جداً".
في السياق، يشير هيثم. ن (52 عاماً)، صاحب متجر لبيع البطاريات لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "تكاليف الطاقة البديلة ارتفعت على الأقل أكثر من 150% عن العام الماضي، بسبب ارتفاع الضرائب والرسوم الجمركية، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن والنقل، وهذا الارتفاع جاء على أساس قيمتها بالدولار، يضاف إليها انخفاض قيمة الليرة الشرائية، في ظل قلة البضائع وازدياد الطلب، كلّ ذلك رفع من الأسعار بشكل كبير".
ويقول هيثم: "أسعار المدخرات تتراوح ما بين 60 ألف لذات الحجم الصغير، وترتفع لتصل إلى نحو 2.5 مليون ليرة، وهنا نتحدث عن مدخرات 220-240 أمبير جافة، أما المدخرات السائلة فمتنوعة، منها مدخرة 55 أمبير فيتنامية بـ180 ألف ليرة، و200 أمبير هندية 975 ألف ليرة، ومدخرة 250 أمبير هندية أنبوبية يصل سعرها إلى أكثر من مليون ليرة، ومدخرة 280 أمبير بسعر 450 ألف صناعة محلية لكنّها الأقل جودة".
تردي الخدمات
وتعاني مناطق سيطرة النظام من تردي واقع الخدمات بشكل كبير، وأزمات خانقة بحوامل الطاقة من الكهرباء إلى الغاز المنزلي والمازوت والبنزين، الأمر الذي تسبب برفع أسعارها في السوق السوداء إلى أضعاف سعرها الرسمي.
وتأتي التكاليف المعيشية المتفاقمة بينما متوسط دخل الموظف في الدولة يبلغ نحو 85 ألف ليرة (25 دولاراً)، في حين أنّ مؤشر "نامبيو" العالمي، المتخصص في رصد مستوى الأمن الاجتماعي للمواطنين في الدول، أشار إلى الأسرة السورية المكونة من 4 أشخاص بحاجة إلى 1297 دولاراً ككلفة معيشة لا تشمل الإيجارات شهرياً.
ويقول مروان حمد (38 عاماً)، وهو موظف قطاع عام، لـ"العربي الجديد": "ذهبت بالأمس القريب لشراء حذاء بينما اكتشفت أنّ راتبي لا يكفي، أحتاج إلى راتب ثلاثة أشهر لشراء طقم رسمي، وأنا هنا أتكلم عن نفسي فقط، فكيف إن كنت أريد شراء ملابس لزوجتي وأطفالي".
ويضيف: "الطريف أن لا أحد من مسؤولي النظام يسأل المواطنين من أين تؤمنون تكلفة طعامكم ليس أكثر... إنّها ديمقراطية النظام".
ولفت إلى أنّ "الناس يعملون اليوم في أكثر من وظيفة، ويحصلون إما على مساعدات من الجمعيات الخيرية، أو من أحد أفراد العائلة اللاجئين في إحدى الدول، حتى يستطيعوا تأمين ما يسد رمقهم، فالمائدة أصبحت فقيرة جداً، غالباً تتكون من طبق أو اثنين، مواد كثيرة تم الاستغناء عنها مثل اللحوم والفواكه والكثير من الخضار، وبالرغم من ذلك لا نستطيع تأمين الحد الأدنى من احتياجاتنا".
ووفق "نامبيو"، فإنّ تكاليف معيشة الفرد الواحد في دمشق تبلغ نحو 459 دولاراً.
ويقول فراس عبد الله (44 عاماً)، وهو موظف في مؤسسة عامة، في حديث مع "العربي الجديد": "لا تصل أحلامي إلى هذا الرقم بالطبع، كلّ ما أتمناه أن يعود راتبي إلى ما كان عليه قبل الأزمة وهو 20 ألف ليرة، بما يعادل حينها نحو 400 دولار، بالرغم من أنّها لم تكن كافية وكنت مضطراً للعمل في وظيفة إضافية لأحصل على 25 ألف ليرة، فقد كان سعر صرف الدولار الواحد 50 ليرة".
ويضيف: "بالتأكيد كان العمل مجهداً لكن كانت الفرصة الوحيدة لتأمين احتياج عائلتي، كنت أتمنى لو كنت أحصل على ذلك الدخل من عمل واحد، لأجد وقتاً للجلوس مع عائلتي، لكن اليوم أعمل لساعات أطول وبالكاد أحصل على 70 دولاراً وهي غير كافية، ولولا مساعدة أشقائي في بلاد اللجوء ووجود مصدر دخل آخر لما استطعت تأمين طعام عائلتي".
وكان تقرير صدر عن مكتب الإحصاء المركزي، بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، صدر الشهر الماضي، قد أشار إلى أنّ نحو 84% من السوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.