"لم تشهد سورية منذ عام 2011 نقصا وغلاء في المشتقات النفطية كما تشهد هذه الأيام"، هكذا بدأ الاقتصادي السوري علي الشامي حديثه لـ"العربي الجديد"، واصفاً الوضع في مناطق سيطرة نظام بشار الأسد بـ"الكارثي"، لأن "رسائل تسليم المازوت المدعوم للمواطنين تأخرت والحكومة خفضت كمية المازوت المدعوم للمستهلكين، بعد أن قللت كمية البنزين للسيارات بنسبة 40%، لترتفع أجور النقل ويتحوّل الوضع إلى مأساة بكل معنى الكلمة، خاصة مع البرد الشديد وانقطاع التيار الكهربائي نحو 22 ساعة يومياً في دمشق".
ويكشف الشامي عن أن سعر ليتر المازوت في السوق وصل إلى نحو 8 آلاف ليرة، والبنزين 11 ألف ليرة، في حين لا يزيد السعر الرسمي للمازوت علة 500 ليرة للمواطنين، و2500 ليرة للقطاع الخاص، متسائلاً "من أين يأتي التجار بالمشتقات النفطية ويبيعونها في السوق وعلى الطرقات، وعلى مرأى الجهات الرقابية والحكومة؟".
ويلفت الاقتصادي السوري إلى أن "واقع الاقتصاد والخدمات تبدل منذ نحو شهرين"، فالأسعار تضاعفت بسبب نقص وغلاء حوامل الطاقة، كما أن الوضع الإنساني "صار مرعباً"، فأجرة السرفيس داخل المدينة وصلت إلى 500 ليرة، وربطة الخبز بالسوق أكثر من 1500 ليرة، وكيلو البطاطا 3 آلاف ليرة، و"الخشية، حسب رأيه، أن يكون شح المحروقات بداية لرفع الأسعار من جديد، لأنه إن حصل فستزداد الصورة قتامة، ويتحول جلّ السوريين إلى ما دون خط الفقر".
لوم إيران
ولم يجد وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة بشار الأسد، بسام طعمة، سوى رمي التهم على الحصار الاقتصادي وتأخر "الحليف الإيراني" في توريد بواخر النفط.
وكانت إيران قد وعدت بزيادة كميات النفط الخام من 2 إلى 3 ملايين برميل شهرياً، بعد زيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، طهران في مايو/ أيار الماضي، والتوقيع على "خط ائتماني" جديد بقيمة مليار دولار.
ويقول طعمة إن قرار تخفيض الكميات المخصصة للسيارات بنسبة 40 بالمئة جاء لتأمين الاحتياجات من المشتقات النفطية اللازمة لتقديم الخدمات الأساسية للمواطن، كاشفاً عن استمرار أزمة شح المشتقات النفطية بسورية منذ 50 يوماً بسبب تأخر التوريدات، في إشارة إلى إيران.
وفي إشارة إلى دور العقوبات المفروضة على نظام الأسد، يضيف طعمة خلال لقاء مع قناة "السورية" التابعة للنظام، أمس الأربعاء، أن العقوبات الغربية زادت الضغط، مشيراً إلى احتجاز إحدى النواقل السورية من قبل البحرية الأميركية في اليونان لأشهر عديدة، ولم يفرج عنها إلا منذ بضعة أيام، وهي الآن في مصفاة بانياس، ولكن بسبب الأحوال الجوية السائدة لم يتم تفريغها إلى الآن، إضافة إلى إصابتها ببعض الأعطال نتيجة توقف بعض مضخات الهواء في أنظمة الربط، مشددا: "ناقلة واحدة لا تحلّ الأزمة".
ولم يستبعد الوزير في حكومة الأسد ما سماه "الدور التركي" فيما تعيشه سورية من أزمة شح المشتقات النفطية بقوله إن الضربات التركية في شمال شرق سورية "أثرت بشكل كبير على منشآتنا النفطية في تلك المنطقة، إذ احترق العديد من الآبار وتضررت محطات النفط".
وحول الفساد ومصادر النفط التي تباع في الشوارع على مرأى الحكومة، قال الوزير: "لقد اكتشفنا العديد من حالات الفساد في العديد من المحافظات قيمتها مليارات الليرات السورية، وتم استرداد جزء كبير منها أيضاً، كما تم إغلاق العديد من المحطات الأسبوع الماضي، وتشميع نحو 6 محطات، والعمل مازال متابعاً وجارياً، لكن بالنهاية طالما هناك مادة عليها طلب وسعرها في السوق أعلى، فسيكون هناك حالات فساد".
أزمة مستمرة
ويصف الاقتصادي السوري أسامة قاضي تبريرات الوزير طعمة بـ"عذر أقبح من ذنب"، لأن طعمة برأيه لم يشر إلى مصادر النفط الذي يباع في السوق الحر بأضعاف السعر الرسمي، كما لم يتطرق إلى أسباب استمرار تجار الحرب في توريد النفط للشوارع، سواء من خلال نفط "الإدارة الذاتية" الذي تستجره شركة القاطرجي لصالح النظام، أو النفط الإيراني الذي يذهب جله للسوق ويباع بأسعار مضاعفة.
ويضيف قاضي، لـ"العربي الجديد"، أن وزير النفط في حكومة النظام السوري اعترف بعدم وجود سيولة بالقطع الأجنبي لدى نظام بشار الأسد، والأمر الثاني فهو إلزام القطاع الخاص باستيراد النفط.
ولم يستبعد قاضي رفع أسعار المشتقات النفطية "قريباً" لتمويل عجز الموازنة العامة والجباية من جيوب السوريين الذين وصف معيشتهم اليوم بـ"الأسوأ منذ 10 سنوات"، بعد زيادة تكاليف المعيشة عن 3.5 ملايين ليرة، في حين لا يتجاوز الدخل الشهري 100 ألف ليرة، ليضاف شحّ المحروقات وانقطاع الكهرباء وأزمة النقل بفصل الشتاء، إلى مآسي السوريين.
يذكر أن خريطة إنتاج وعائدات النفط بسورية قد تبدلت منذ مطلع الثورة عام 2011، فتحولت سورية من بلد منتج لنحو 380 ألف برميل، يساهم فيه النفط بنحو 24% من الناتج المحلي، و25% من عائدات الموازنة العامة، وأكثر من 40% من الصادرات الإجمالية، إلى بلد مستورد لأكثر من 150 ألف برميل يومياً، لكفاية السوق المحلي.