تتصاعد أزمة التموين في تونس لتشمل كل المواد الحيوية بما في ذلك المحروقات، المحرك الرئيسي للأنشطة الاقتصادية والخدماتية، بينما انطلق وفد حكومي في مفاوضة صندوق النقد الدولي حول برنامج تمويل بقيمة 4 مليارات دولار سيكون رفع الدعم عن الوقود من شروطه الأساسية.
وتعرف مدن تونس الكبرى التي تتركز فيها أهم الأنشطة الاقتصادية أزمة محروقات اضطرت أصحاب العربات إلى الانتظار مطولا أمام محطات الوقود من أجل الحصول على البنزين في مشهد لم يتعوّد عليه التونسيون سابقا.
فقدان المواد الأساسية
وتعيش تونس منذ أشهر وسط أزمة فقدان المواد الأساسية التي تتوسع قائمتها من يوم لآخر لتشمل الغذاء والمحروقات والأدوية نتيجة صعوبات مالية تواجهها المالية العمومية وعدم قدرة السلطات على توفير احتياطات مطمئنة من الغذاء والطاقة.
وأمام محطة بنزين بالمنزه السابع (أحد أحياء تونس العاصمة)، تتكدس العربات في طابور طويل في انتظار قدوم شاحنة التزويد بالبنزين التي تأخرت لساعات.
ويقول حلمي العبيدي، الذي يقف في الطابور منتظراً دوره للحصول على البنزين، إنّه اضطر للاستعانة بسيارة أجرة لنقل أبنائه إلى المدرسة بسبب عدم كفاية الوقود في سيارته قبل أن يعود مجددا إلى محطة الخدمات للتزود.
ويؤكد العبيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه ينتظر منذ ما يزيد عن ساعتين في انتظار قدوم المزود بعدما أعمله عمال محطة الخدمات أنها في طريقها إلى المحطة حاملة شحنة جديدة من البنزين.
ويعتبر أن ما يحصل في تونس تنكيل ممنهج بالمواطنين الذين يصارعون الغلاء ونقص المواد الأساسية، بينما تكتفي السلطات في روايتها الرسمية بتشخيص الوضع دون تقديم أي حلول.
وتقول الحكومة إن سبب الأزمة الحالية هم المضاربون في السوق السوداء والحرب في أوكرانيا، لكن خبراء اقتصاديين يقولون إن أزمة موازنة الحكومة 2022 وعدم قدرتها على التفاوض على قرض طال انتظاره من صندوق النقد الدولي زادا من مشاكل البلاد.
تعاني تونس من صعوبات في المالية العمومية التي أثرت على كل المؤسسات الحكومية المكلفة بالتموين والشراءات العمومية التي تشمل الحبوب والدواء والسكر والمحروقات.
كما تواجه أغلب المؤسسات الحكومية المكلفة بالشراءات أزمة سيولة وارتفاع ديونها لدى مؤسسات القرض، ما يدفع المزودين إلى طلب الخلاص المسبق لفواتيرهم مقابل إفراغ الشحنات في الموانئ.
ويقول الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق سليم بسباس إن أزمة الطاقة في تونس تحولت إلى أزمة هيكلية نتيجة تراجع الإنتاج المحلي الذي كان يوفر 90% من حاجيات السوق في العام 2010 إلى 40% فقط حاليا.
وضع مالي صعب
وأكد بسباس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، وجود مؤشرات فعلية لأزمة تزود بالمحروقات في البلاد نتيجة الوضع المالي الصعب لمؤسسة "الستير" الحكومية التي تتولى حصريا توريد المحروقات كمواد خام أو مواد نفطية مكررة.
وأشار إلى أن المؤسسة الحكومية (الستير) تعاني كغيرها من المؤسسات الحكومية من أزمة سيولة ووضع مالي صعب يؤثر على انتظام التوريد وتزويد السوق.
وأفاد بأن تراجع الترقيم السيادي يعمّق أزمة الطاقة نتيجة عدم ثقة المزودين في قدرة البلاد على سداد الفواتير، وهو ما يدفعهم إلى طلب الدفع المسبق مقابل تفريغ شحنات النفط في الموانئ.
ولم يستعبد وزير المالية السابق تواصل أزمة التزويد في حال استمرار الصعوبات المالية للمورد الحصري للطاقة، معتبرا أن انتقال تونس نحو الطاقات البديلة هو من بين الحلول الجدية التي يجب العمل عليها، لكنه قال أيضا إن الانتقال الطاقي يحتاج إلى طمأنة المستثمرين وقرار سياسي واضح في هذا الملف.
وإزاء عجز الموازنة وعدم قدرة صندوق الدعم على تحمّل كلفة إضافية، تعتمد السلطات التونسية على آلية التعديل الآلي للسعر عبر زيادات متواترة في ثمن المحروقات.
ومنذ بداية العام الجاري رفعت الحكومة سعر المحروقات 5 مرات، وتقدّر الزيادات التي أقرتها حكومة نجلاء بودن منذ توليها السلطة في سعر البنزين الخالي من الرصاص بـ305 مليمات، بينما ارتفع سعر السولار بـ255 مليماً. وبدأت سلسلة الزيادات في بداية شهر فبراير/ شباط الماضي، تلتها زيادة في اليوم الأخير من الشهر ذاته، تبعتها زيادة ثالثة في 14 إبريل/ نيسان الماضي قبل أن تعود الزيادات مجددا في سبتمبر/ أيلول الماضي.
الاقتراض من صندوق النقد
وتعتمد تونس لتغطية احتياجاتها النفطية على التوريد بنسبة تناهز 60%، أغلبها من المواد النفطية المكررة التي يجري اقتناؤها من دول مختلفة بناء على مناقصات دولية، بينما تتحمل الدولة كلفة التعويض بين الكلفة الحقيقية والسعر عند المضخة في محطات البيع.
تتفاوض الحكومة حالياً للحصول على قرض تقدر قيمته بنحو 4 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي لمواجهة عجز الموازنة، والذي تفاقم بسبب جائحة فيروس كورونا وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا. وتوجه وفد تونسي رفيع إلى واشنطن، يوم السبت الماضي، على أمل الوصول لاتفاق مع الصندوق. وقبلها عملت رئيسة الحكومة نجلاء بودن على حشد الدعم الخارجي في لقاءات جمعتها مع سفراء الدول المؤثرة في قرار مجلس إدارة الصندوق.
في المقابل، سيتعين على تونس الالتزام بإصلاحات مؤلمة، ومن بينها تقليص قطاع الإدارة العامة، وهو أحد أكبر القطاعات في العالم، والذي يلتهم نحو ثلث ميزانية الدولة، كما يطالب صندوق النقد أيضاً برفع تدريجي للدعم، يشمل الغذاء والطاقة وخصخصة الشركات المملوكة للدولة إلى جانب تجميد التوظيف في القطاع الحكومي لسنوات مقبلة.