أزمة الوقود في بريطانيا.. من النقص إلى ارتفاع الأسعار

02 ديسمبر 2021
تهافت على الوقود خلال ذروة الأزمة في بريطانيا (Getty)
+ الخط -
لم يكن أكثر المتشائمين من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) يتوقع أن يأتي يوم يصطف فيه مئات الآلاف من قائدي المركبات في طوابير طويلة امتدت لكيلومترات أمام محطات التعبئة في أنحاء بريطانيا، بحثاً عن لترات قليلة من الوقود لسياراتهم.
الأزمة، التي امتدت لأسابيع، وأثرت بحياة الملايين، كانت بمثابة الصدمة وجرس الإنذار للمواطنين والحكومة في آن واحد.
الأزمة الطاحنة، التي لم تشهد بريطانيا مثيلاً لها منذ عقد، كانت مثار سجالات بين منتقدي حزب المحافظين الحاكم ومؤيديه. فمنتقدوه ألقوا باللائمة على البريكست والقيود التي فرضت منذ مطلع العام الجاري على عمل مواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، ما أدى إلى نقص حاد في عدد سائقي الشاحنات الكبيرة، بما فيها شاحنات الوقود، بلغ نحو 100 ألف سائق.
أما المدافعون عن الحزب ومسؤولو الحكومة، فقد ألقوا باللائمة على التضخيم الإعلامي للأزمة، وحالة الهلع التي خلقها لدى المستهلكين من نقص الوقود، ما جعلهم يتوافدون بأعداد كبيرة ويشترون بكميات مضاعفة على غير المعتاد بشكل لم تتحمله الطاقة الاستيعابية لمحطات التعبئة.
وتحت ضغط صور الطوابير الطويلة أمام محطات التعبئة التي ملأت الصفحات الأولى للصحف ومشاهد المشاحنات والمشاجرات والتذمر بين قائدي المركبات واستمرار الأزمة، اضطرت الحكومة في الأسبوع الثالث للأزمة إلى إعلان فتح باب التأشيرات لاستقدام أكثر من خمسة آلاف سائق شاحنة من خارج البلاد لسد جزء من النقص الحاد في أعدادهم، وذلك على الرغم من رغبة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ووزراء حكومته، في الاحتفاظ بهذه الوظائف للبريطانيين، وحثّ الشركات على وقف الاعتماد على العمالة الرخيصة من خارج البلاد في عصر ما بعد البريكست.

ولم تجد الحكومة مفراً من تدريب عدد من عناصر الجيش على قيادة شاحنات الوقود للمساهمة في حل الأزمة، على الرغم من ترددها في بداية الأزمة في اللجوء إلى هذا الحل، ومددت تراخيص المركبات الثقيلة، وعلقت العمل بقانون المنافسة بين شركات النفط مؤقتاً، بهدف تسهيل مشاركة المعلومات بين الشركات بشأن إمدادات الوقود، وتحديد المناطق الأكثر احتياجاً للوقود لتوجيه الشاحنات إليها.
ولم تكد بريطانيا تستفيق جزئياً من أزمة الطوابير أمام محطات التعبئة التي عانت من نقص في كميات الوقود الواصلة إليها لعدم وجود عدد كافٍ من سائقي الشاحنات، حتى صدم المستهلكون بزيادات قياسية في أسعار الديزل والبنزين خلال الأسابيع الأخيرة.

أبعاد الأزمة لم تقف عند جيوب قائدي المركبات الصغيرة وتداعياتها على كلفة المعيشة فقط، حيث امتدت إلى الشركات وكلفة نقل البضائع أيضاً

أسعار الوقود سجلت ارتفاعاً قياسياً خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث بلغ متوسط سعر لتر الديزل نحو 1.5 جنيه إسترليني، وهو أعلى سعر له منذ عام 2012، فيما بلغ سعر لتر البنزين رقماً قياسياً لامس حدود الـ1.4 جنيه خلال ذات الشهر، في ما مثل صدمة للمستهلكين.

أبعاد الأزمة لم تقف عند جيوب قائدي المركبات الصغيرة وتداعياتها على كلفة المعيشة فقط، حيث امتدت إلى الشركات وكلفة نقل البضائع أيضاً، ذلك أن الشركات والأعمال تملك أسطولاً يقدر بـ4.5 ملايين شاحنة وسيارة نقل يعمل معظمها بالديزل، وأكثر من نصف مليون منها شاحنات نقل بضائع كبيرة.

ويرى سايمون ويليامز، المتحدث باسم النادي الملكي للسيارات، وهو منظمة تقدم المساعدة والمعلومات لجميع قائدي المركبات، أن الارتفاع القياسي في أسعار الوقود "يمثل ضربة كبيرة لجميع قائدي المركبات والشركات في آن واحد في عموم البلاد، وفضلاً عن أنه يمثل عبئاً كبيراً على ميزانية ملاك السيارات، فسيكون له تأثير كبير بأسعار السلع والخدمات، لأن الديزل هو الوقود المستخدم على نطاق واسع في شاحنات نقل البضائع، ما يعني دفع معدلات التضخم إلى مستويات أعلى".

وبالفعل، دفعت الزيادة القياسية في أسعار الوقود معدلات التضخم في بريطانيا إلى حدود 4.2 بالمئة على أساس سنوي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو مستوى لم يحدث منذ عقد تقريباً، مع توقعات بنك إنكلترا ببلوغ معدل التضخم لأكثر من 5 بالمئة خلال الربيع المقبل، وما سيتبع ذلك من زيادة مؤكدة في معدلات الفائدة لكبح جماح التضخم المتزايد، وفقاً لما أكده مسؤولو البنك في تصريحات أخيراً.

دفعت الزيادة القياسية في أسعار الوقود معدلات التضخم في بريطانيا إلى حدود 4.2 بالمئة على أساس سنوي في أكتوبر الماضي، وهو مستوى لم يحدث منذ عقد تقريبا

أزمة نقص الوقود وارتفاع أسعاره دفعت وزارة الخزانة إلى تجميد خططها لزيادة الرسوم على مستهلكي الوقود في إعلان موازنة الدولة، خشية بلوغ التضخم مستويات قياسية جديدة، وما يمثله ذلك من ضغط على تكلفة المعيشة خلال أشهر الشتاء البارد، خاصة على الطبقة الفقيرة في البلاد.

ولكن يبدو أن تراجع الحكومة عن فرض رسوم إضافية على مستهلكي الوقود لم يكن إجراءً كافياً، ذلك أن أسعار النفط العالمية تضاعفت من نحو 40 دولاراً للبرميل نهاية العام الماضي إلى أكثر من 80 دولاراً للبرميل في الأسابيع الأخيرة، في ظل الزيادة الهائلة في الطلب على النفط والغاز في الأسواق العالمية مع تعافي الاقتصاد العالمي من تداعيات أزمة وباء كورونا.

وفي هذا الإطار، أعلنت الحكومة استخدام 1.5 مليون برميل من مخزونها الاستراتيجي من النفط من أجل تهدئة أسعار النفط العالمية، في خطوة جاءت تماشياً مع قرار الولايات المتحدة استخدام 50 مليون برميل من احتياطيها الاستراتيجي، وهو القرار نفسه الذي اتخذته دول أخرى، مثل الهند وكوريا الجنوبية واليابان والصين.

وقد تبدو أزمات الوقود الحالية في بريطانيا أزمات مرحلية في ظل تداعيات البريكست وارتفاع أسعار النفط عالمياً، بيد أن بريطانيا تواجه تحدياً من نوع آخر على المدى البعيد في ما يتعلق باستخدام الوقود الأحفوري، بعد أن سنّت حكومة حزب المحافظين قانوناً يمنع بيع أو شراء السيارات التي تعمل بالبنزين أو الديزل بحلول عام 2030، من أجل الوصول إلى صافي صفر من الانبعاثات الكربونية لوقف التغير المناخي.

وعليه، حذرت لجنة برلمانية من أن خطة الحكومة ستدفع إلى إغلاق عدد كبير من محطات الوقود في السنوات القليلة القادمة، نظراً لتراجع الطلب مع زيادة استخدام السيارات الكهربائية، ما يعني حدوث صعوبات في حصول قائدي مركبات الديزل والبنزين على الوقود. لذا، فقد طالبت اللجنة بتعديل تشريعي يمنح الحكومة الحق بإصدار أوامر لشركات الوقود بتوجيهه إلى المناطق التي تعاني من نقص.

وطالبت لجنة الأعمال في البرلمان، في ظل أزمة النقص الكبير في الوقود، بإعطاء الحكومة صلاحيات للحفاظ على البنية التحتية لمحطات الوقود من أجل حماية الأمن القومي، وذلك من خلال الحصول على معلومات من شركات الوقود وإيجاد سبل لدعم البنية التحتية لمحطات التعبئة واستمراريتها وتوفير الدعم المالي لها مع التحول التدريجي من السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل إلى المركبات الكهربائية.
(قنا)

المساهمون