لاحت بوادر انتكاسة لاستئناف العلاقات الخليجية الإيرانية في الأفق على خلفية إعلان الرياض، مساء الثلاثاء (4 يوليو/تموز)، أن "السعودية والكويت فقط" تملكان حق استغلال الثروات الطبيعية في حقل غاز "الدرة"، وذلك بعدما أعلنت طهران استعدادها لبدء التنقيب في الحقل الواقع في مياه الخليج.
جاء ذلك قبل يوم واحد من عقد لقاء هو الأول منذ ثماني سنوت بين وزير النقط الإيراني جواد أوجي مع نظيره السعودي عبد العزيز بن سلمان، في فيينا الأربعاء، على هامش المؤتمر الدولي الثامن لمنظمة أوبك، وبعد أقل من 4 أشهر من استئناف طهران والرياض العلاقات الدبلوماسية في مارس/ آذار.
وتطرق الوزيران وفقا لوكالة "تسنيم" الإيرانية، إلى "المواضيع الثنائية بين إيران والسعودية منها الاستثمار في صناعة النفط والغاز وبحث إمكانية الاستثمار المشترك". كما بحث الوزيران مواضيع أخرى مثل تجارة المواد الهيدروكربونية وتطوير الحقول المشتركة.
وجدد مصدر سعودي مسؤول دعوته إيران إلى "البدء في مفاوضات لترسيم الحد الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة بين المملكة والكويت كطرفٍ تفاوضيٍ واحد مقابل الجانب الإيراني"، حسبما أوردت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس".
أما الكويت، فتصرّ على أنها صاحبة "الحقوق الحصرية" في الحقل البحري مع السعودية، خاصة بعدما اتّفق البلدان على تطويره بشكل مشترك العام الماضي، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
وتلتزم إيران الصمت حيال القضية، بعدما أعلن المدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية، محسن خجسته مهر، الأسبوع الماضي، "الجاهزية لبدء عمليات الحفر في الحقل"، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء فارس الإيرانية.
وفي 26 مارس/آذار 2022، اعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية أن الاتفاق بين السعودية والكويت لتطوير حقل "آرش/ الدرة" للغاز خطوة "غير قانونية"، مؤكدة احتفاظ إيران بحق الاستثمار في الحقل المشترك بين الدول الثلاث.
وأشارت إلى أن هنالك أجزاء منه في نطاق المياه غير المحددة بين إيران والكويت، داعية إلى دخول الدول الثلاث في مفاوضات حول كيفية استثمار الحقل المشترك.
أهمية استراتيجية
ويشير الخبير في شؤون الطاقة، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن سبب الأزمة يتلخص في أن المسافة بين شاطئي السعودية وإيران أقل من 400 ميل بحري، ما يمنع تقاسم المياه بينهما إلا باتفاق ثنائي بينهما، في إطار القوانين الدولية، التي حددت 400 ميل بحري حدا أقصى لسيادة الدول على المياه التجارية والجرف القاري.
ويضيف أن احتياطات حقل الدرة تقارب الـ 11 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، وحوالي 300 مليون برميل من النفط والمكثفات النفطية، واصفا تلك الكميات بأنها كبيرة، خاصة إذا ما قورنت بواقع احتياطيات الكويت من الغاز الطبيعي، والتي لا تتجاوز الـ 35 تريليون قدم مكعبة فقط.
ويعني ذلك أن حقل الدرة ذو أهمية استراتيجية بالنسبة للكويت، التي تحتاج إلى مزيد من الاحتياطيات الغازية والنفطية، والتي يوفر حقل الدرة وحدة ما يعادل 30 في المائة منها، بحسب الشوبكي.
ويلفت الخبير في شؤون الطاقة إلى أن التوقعات تشير إلى إنتاج حقل الدرة لنحو مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي وقرابة 84 ألف برميل من النفط والمكثفات النفطية، بعد الاستثمار الذي أعلنت عنه السعودية والكويت، ولذا فأهمية الحقل في إنتاج الغاز بشكل أكبر.
ويشير الشوبكي إلى أن كلا من السعودية والكويت بحاجة إلى احتياطات أكبر من الغاز الطبيعي، خاصة أن كلتيهما تنويان استثمار المنطقة المحايدة، المقسومة بينهما، إضافة إلى ثروات المياه الإقليمية، بينما تعتقد إيران أن ثلث هذا الحقل يقع في مياهها الإقليمية.
وما زاد الطين بلة بعد إعلان السعودية والكويت استثمار الحقل، أن وزارة النفط الإيرانية أعلنت أن حقل الدرة، أو أريش كما يسمى في إيران، ضمن لائحة المناطق المعروضة للاستثمار، أي أنها تعرضه لجلب استثمار الشركات الأجنبية، حسبما يرى الشوبكي.
الموقف السعودي من الأزمة محسوم، بحسب الشوبكي، لافتاً إلى أن الرياض ترى أن الحقل يقع في المنطقة الإقليمية السعودية الكويتية المشتركة ضمن المنطقة المحايدة، ما يعني أن مطالبة إيران بإعادة ترسيم الحدود في هذه المنطقة، كونها غير مرسمة، غير صحيحة، شأنه شأن عرض وزارة النفط الإيرانية الحقل للاستثمار الأجنبي.
ولذا يتوقع الشوبكي أن يمثل "الدرة" عنوان خلاف جديد في منطقة الخليج العربي، ربما تكون له تداعيات على المصالحة التي جرت مؤخرا ما بين السعودية وإيران.
وعن المردود الاقتصادي لتلك التداعيات المتوقعة، يشير الشوبكي إلى إمكانية تأثر تطور العلاقات الاقتصادية السعودية الإيرانية سلبا في الفترة القادمة، خاصة أن تلك العلاقة لاتزال في بدايتها، وليست راسخة.
ويرى الشوبكي أن حل الأزمة ليس له سوى طريق واحد، هو التعاون في ترسيم الحدود أولا، ومن ثم تحديد المناطق الخاضعة لولاية كل بلد خليجي في حقل الدرة، وبالتالي تقاسم إنتاج النفط والغاز.
وإذا لم تتفق الأطراف الثلاثة، يرى الشوبكي ضرورة اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للفصل في قضية الحدود عبر الجرف القاري، وبالتالي تحديد أحقية كل دولة في المياه وثروات النفط والغاز.
مماطلة وافتعال أزمة
وفي السياق، يشير الخبير في شؤون الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن النزاع حول "الدرة" سيخلق توترات جديدة مع دول الخليج العربي التي تسعى للتقارب من إيران، مؤكدا أن الموقف الكويتي والسعودي واضح بشأن أحقيتهما الحصرية في تطوير الحقل دون أي تدخل إيراني.
ويشير إسماعيل، في هذا الصدد، إلى اتهامات خليجية لإيران برفض الدخول في حوار أو تفاوض بشأن الحقل، والمماطلة لشراء الوقت، بذات الطريقة التي اعتادت عليها طهران في مفاوضات الملف النووي.
ويضيف الخبير في شؤون الطاقة: "هذا يحدث بوقت حرج، وفي ضوء عودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية وتبادل السفراء، ومنطقة الخليج لا تحتاج لأزمة جديدة".
وعن إمكانية قبول إيران لرسم حدود بحرية من قبل سلطات متخصصة مستقلة دولية وموثوقة أو قبولها لتحكيم دولي بشأن الأحقية بحقل الدرة، يقول إسماعيل إن "أي تحفظ إيراني تجاه مقترح كهذا سيكون بمثابة تأكيد لنظرية المماطلة والمناورة وافتعال أزمة في منطقة الخليج"، مستبعدا أن يسفر الخلاف حول ملكية "الدرة" عن تداعيات مؤثرة على الاقتصادين الكويتي والسعودي.
ويلفت إسماعيل إلى أن استغلال الحقل سيضيف للقدرات الكويتية والسعودية في تصدير الغاز دون شك، لكنه لن يكون واقعا دون استثمار، وهو ما لن يتحقق في ظل تهديدات إيرانية، ما يعني ضرورة الوصول لحل سياسي بشأن "الدرة" كشرط رئيس لاستغلاله.
ملف عالق
وبحسب الخبير الاقتصادي، علي أحمد درويش، فإن ملف حقل الدرة ظل عالقا على مدى عقود بسبب جمود العلاقات الإيرانية العربية، لكن التقارب الأخير بين الرياض وطهران يؤشر إلى إمكانية تحريك كل الملفات العالقة، وهو ما ينطوي على سلبيات، تخص الخلافات الحدودية، كما ينطوي على إيجابيات تخص التعاون الاقتصادي المشترك.
ويرى درويش أن أزمة حقل الدرة لا يمكن حلها إلا بالانطلاق من منطلقات متقاربة للوصول إلى حل وسط بين السعودية والكويت من جانب وإيران من جانب آخر، وإلا فسيظل النزاع مستمر، وهو ما لا يفيد الطرفين.
وفي حال عدم الاتفاق الثنائي، فإن صيغة إطارية تابعة للأمم المتحدة هي الأوفق لحل النزاع وفق القوانين الدولية، على أساس اعتبار إيران طرفا وكل من السعودية والكويت طرفا ثانيا، بحسب درويش.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن وضع الإطار الصحيح للتفاوض بشأن حقل الدرة ضروري بما لا يؤثر سلبا على التقارب الإيراني العربي، "لأن للعرب ولإيران مصلحة في التقارب، في ظل الصراعات القائمة عالميا"، حسب رأيه.
ويضيف درويش: "في هذه المرحلة من التقارب لا مصلحة لأحد في تعزيز الخلاف، بل من مصلحة الطرفين إيجاد قواسم مشتركة لبحث موضوعي في حلول تقوم على صيغة "فوز للجميع".
ويلفت درويش إلى أن الظرف الاقتصادي العالمي يفرض على طرفي النزاع عدم ترسيخ حالة الخلاف، إذ يمكن أن تساهم احتياطيات حقل الدرة في إفادة كبيرة بتعزيز إنتاج النفط والغاز لدى كل من السعودية وإيران والكويت.
يشار إلى أن النزاع الدائر حول حقل الدرة يعود إلى ستينيات القرن الماضي، حين منحت إيران امتيازاً بحرياً للشركة النفطية الإنكليزية الإيرانية التي أصبحت لاحقاً "بي بي"، فيما منحت الكويت الامتياز إلى "رويال داتش شل".
ويتداخل الامتيازان في القسم الشمالي من الحقل الذي تقدّر احتياطياته من الغاز الطبيعي بنحو 220 مليار متر مكعب.