بات الانتظار في الطوابير جزءا من الحياة اليومية للبنانيين للحصول على الوقود، نظراً لما تعانيه البلاد من شح وسط تذبذب وفرة النقد الأجنبي اللازم لاستيراده.
وبينما تغلق غالبية محطات الوقود أبوابها لعدم توفر المشتقات، فإن النسبة المتبقية تشهد اكتظاظا من جانب المواطنين لتعبئة مركباتهم. وكما السيارات كذلك المواطنون، الذين ما إن يعلموا بأن ثمة محطة فتحت أبوابها، حتى يتهافتون إليها حاملين عبوات بلاستيكية، سعياً منهم لملئها.
الشح في الوقود، لا سيما البنزين والديزل، هو أحد أوجه الأزمة الاقتصادية والمالية التي لا تزال تتصاعد يومياً منذ نحو عام ونصف العام.
وفي جولة لـ"الأناضول" على بعض محطات الوقود، لفت المواطن سلطان خميس إلى المعاناة اليومية التي يواجهها كما معظم اللبنانيين، في حال أراد تعبئة خزان سيارته بالبنزين.
وأضاف خميس أن الحصول على البنزين يتطلب الانتظار ساعات طويلة أحيانا، "وهذا بات يتسبب في عرقلة أعمالنا وحياتنا اليومية".
أما حسين حسن، الذي يعمل سائقَ حافلة أجرة صغيرة، فقد جاء من منطقة الهرمل (شمال شرق)، إلى العاصمة بيروت (غرب) من أجل تعبئة الديزل لحافلته. ونبه إلى أن "جميع المحطات على طول الطريق (مسافة 140 كلم) كانت مقفلة".
فيما قال المواطن سميح المولى إن "ما نعيشه هذه الأيام أمر لا يُصدق.. نعتقد أن الوقود متوافر في المحطات، لكن أصحابها يمارسون الاحتكار بغية الاستفادة من بيعه لاحقاً بأسعار مرتفعة، في حال انقطع من الأسواق".
في المقابل، نفى عضو نقابة أصحاب المحطات جورج براكس أن يكون أصحاب المحطات يمارسون الاحتكار، مؤكداً أن "كل المحطات لديها نقص في مخزونها، وقسم كبير منها خزاناتها فارغة".
وقال "براكس" للأناضول إن سبب شح الوقود هو تأخر مصرف لبنان المركزي في تحويل الأموال المخصصة لدعم استيراد المحروقات، وبسبب ذلك تتأخر بواخر استيراد الوقود في تفريغ حمولتها بالموانئ اللبنانية.
"ما يزيد من حدة الأزمة، هي حالة الهلع بين الناس، وخشيتهم من انقطاع المحروقات"، لكن "براكس" استبعد حصول ذلك، مؤكداً "أن كميات الوقود التي تدخل البلاد قليلة وليست بالوتيرة التي كانت عليها سابقاً قبل الأزمة".
ويدعم مصرف لبنان المركزي 85 بالمئة من تكلفة استيراد المحروقات، من خلال تغطيته الفارق بين سعر صرف الدولار الرسمي (1515 ليرة) والسوق الموازية (13 ألف ليرة حالياً).
وخلال 2020، بلغت تكلفة الدعم لاستيراد البنزين 963 مليون دولار والديزل 1.075 مليار دولار وفق بيانات رسمية، في وقت يعاني المصرف المركزي من انخفاض متسارع في احتياطي العملات الأجنبية.
وأوضح براكس أن البواخر التي تحمل المحروقات المستوردة من الخارج لا تفرغ حمولتها فور وصولها إلى لبنان، بل تنتظر تحويل الأموال إلى الشركات المستوردة الخاصة.
وتوقع أن تبدأ حلحلة الأزمة تدريجياً الأسبوع المقبل، في حال تم توفير الأموال اللازمة لدعم الاستيراد من قبل مصرف لبنان.
ويستهلك لبنان يومياً 12 مليون ليتر من المحروقات، وتحوي كل باخرة استيراد 40 مليون ليتر من تلك المواد.
وتستورد شركات خاصة كل كميات البنزين التي تحتاجها السوق اللبنانية، كما تستورد 60 بالمئة من كميات الديزل، فيما تستورد الحكومة الـ40 بالمئة المتبقية.
ويبلغ سعر صفيحة البنزين (20 ليترا) 40 ألفا و900 ليرة (27 دولارا وفق السعر الرسمي) بينما يبلغ سعر الديزل 22 ألفا و600 ليرة لبنانية (15 دولارا).
وما يفاقم الأزمة، تفشي ظاهرة تهريب الوقود إلى سوريا، حيث أعلن وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر، في إبريل/نيسان الماضي، أن البنزين يتم تهريبه من لبنان إلى سوريا بسبب الفارق في السعر.
ويرى خبراء اقتصاديون أنه طالما يتم دعم أسعار الوقود في لبنان، فإن أعمال التهريب ستبقى مستمرة، لأن الدعم يجعل سعره في السوق اللبنانية أقل مما هو عليه في الأسواق السورية.
ويعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة منذ عام ونصف العام، تسببت بانهيار مالي وتراجع حاد في احتياطي العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي.
(الأناضول)