أزمة عسل في إدلب: التوسع باستخدام المبيدات يدمر خلايا النحل

19 أكتوبر 2024
ارتفعت أسعار عسل النحل مع تراجع الإنتاج، إدلب في 19 أكتوبر 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

يواجه مربو النحل في إدلب السورية تراجعاً ملحوظاً في كميات إنتاج العسل بعد اختفاء تدريجي لأعداد كبيرة من النحل، مع بروز خطورة المبيدات الحشرية المستخدمة في الزراعة كأحد العوامل الرئيسية. ويعتمد المزارعون على المبيدات الحشرية لحماية محاصيلهم الزراعية من الآفات، غير أن هذه المبيدات لا تقتل الحشرات الضارة فقط، بل تؤثر أيضًا في الحشرات النافعة كالنحل، لاحتوائها على مواد كيميائية تؤثر سلبًا في النحل، ما يؤدي إلى ضعف نشاطها وتدمير خلاياها في نهاية المطاف.

وساهم تراجع إنتاج العسل بخسائر كبيرة لمربي النحل، حيث كان العسل مصدر دخل ثابت لعائلات في إدلب، بينما أصبح الآن سلعة نادرة وصعبة الإنتاج، وارتفعت الأسعار كثيراً في الأسواق المحلية، ليصل سعر الكيلوغرام منه إلى أكثر من 15 دولاراً، ما أثر سلبًا بالقدرة الشرائية للمستهلكين، وأدى إلى انخفاض الطلب. 

وقال أحد مربي النحل في ريف مدينة حارم لؤي جمعة، إنه كان يملك حوالى 50 خلية نحل، ولكن في السنوات الأخيرة تراجعت الأعداد كثيراً، وأرجع السبب إلى المبيدات الحشرية التي يستخدمها المزارعون القريبون منه، وخصوصاً بعد أن أخذ النحل يختفي تدريجيًا وتصبح الخلايا فارغة. وأضاف أن تأثير المبيدات الحشرية لا يؤثر في النحل وحسب، بل يمتد ليشمل البيئة الزراعية ككل، حيث يؤثر في التوازن الطبيعي بين الكائنات الحية، كالطيور والحشرات الأخرى.

أما نواف العلوش، وهو مربي نحل من ريف إدلب الشمالي، فيقول: "قبل الحرب، كانت خلايا النحل تنمو بشكل طبيعي، وكنت أنتج كميات كبيرة من العسل عالي الجودة، الذي كان مصدر رزق أساسي لي ولعائلتي، لكن منذ بداية استخدام المبيدات الحشرية المكثفة في المنطقة بدأت المشاكل، النحل يموت فجأة، لقد خسرت هذا العام نصف خلاياي تقريبًا". ويربط العلوش المشكلة مباشرةً بالمبيدات المستخدمة في المحاصيل المجاورة من قبل المزارعين الذين يلجأون إلى هذه المبيدات لحماية المحاصيل من الآفات، لكنهم لا يدركون أن النحل هو الذي يدفع الثمن، إذ إن النحل لا يستطيع التمييز بين الحقول المزروعة والمصابة بالمبيدات، فيذهب ليجمع الرحيق من الأزهار الملوثة ويموت. 

سبل الحفاظ على النحل في إدلب

من جهة أخرى يعتمد المزارع منصور البيلوني على زراعة الخضروات والفواكه في بستانه الكائن على أطراف مدينة سلقين، ويؤكد صعوبة إيجاد توازن بين حماية المحاصيل والحفاظ على النحل القريب من مزروعاته، ويقول: "نحن بحاجة إلى المبيدات لحماية المحاصيل، خصوصاً في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها، إذا تركنا الحقول دون مبيدات، فإن الآفات ستلتهم المحاصيل". ويشير البيلوني إلى أن "الحلول البديلة مكلفة وصعبة التطبيق، ولا يمكن إيجاد وسيلة لحماية النحل والمحاصيل في آن واحد".

بدوره قال المهندس الزراعي يوسف قشيط لـ"العربي الجديد"، إن عديد من المزارعين لا يدركون حجم الضرر الذي تسببه المبيدات للنحل، والحل يبدأ بنشر الوعي بضرورة تبني تقنيات أكثر استدامة، "فالمبيدات الحشرية ليست الحل الوحيد للآفات الزراعية، فهناك تقنيات حديثة تعتمد على المكافحة البيولوجية، مثل إدخال حشرات نافعة تعمل على القضاء على الآفات دون الإضرار بالنحل، نحن بحاجة إلى برامج تعليمية توعوية شاملة للمزارعين حول هذه البدائل".

ويشير قشيط إلى ضرورة تعزيز الرقابة على نوعية المبيدات المستخدمة، حيث تُستخدَم مبيدات رخيصة وغير مرخصة في الأسواق المحلية في بعض الأحيان، وهي الأكثر ضررًا بخلايا النحل، لذا يجب أن يكون هناك رقابة صارمة على توزيع المبيدات وتوفير بدائل آمنة بأسعار مناسبة. وأنهى حديثه بالقول إن "ما يمرّ به قطاع تربية النحل في إدلب جرس إنذار للتدخل السريع والعاجل لحماية هذا القطاع الحيوي، فالمبيدات الحشرية ليست مجرد مشكلة زراعية، بل هي قضية تؤثر في الأمن الغذائي والبيئي".

المساهمون