لا تتفاعل أسعار النفط مع الأزمات والتحديات الإقليمية والعالمية، إذ بينما كان منتجو النفط بقيادة تحالف أوبك+ يطمحون إلى ارتفاع سعر برميل الخام لمتوسط 95 دولاراً منذ نهاية 2022، لم تتجاوز الأسعار 85 دولاراً في أفضل الأحوال.
في ختام تعاملات جلسة أمس الثلاثاء، سجل سعر برميل برنت 83.1 دولاراً، بينما بلغ متوسط سعر البرميل 79 دولاراً في 2023، مقارنة بـمتوسط 98 دولاراً في 2022، بالتزامن مع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا.
وضمن جهوده لتعزيز أسعار النفط، نفذ تحالف أوبك+ خفضاً إلزامياً لأعضائه الـ24 بمقدار 3.6 ملايين برميل يومياً، بدأ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 ويستمر حتى نهاية 2024.
بينما اعتباراً من النصف الثاني 2023، بدأ أعضاء في التحالف تنفيذ خفض طوعي مجموعه 2.2 مليون برميل يومياً، يستمر حتى نهاية النصف الأول 2024.
وعلى الرغم من خفض الإنتاج لم تتفاعل أسعار النفط كما يأمل التحالف، ويعود ذلك إلى اجتماع عوامل محفزة للأسعار وأخرى مثبطة في الوقت نفسه.
حالياً، يبلغ متوسط الطلب العالمي على النفط الخام 103 ملايين برميل يومياً، مقارنة بـ102 مليون برميل يومياً في 2023، وسط توقعات ببلوغ الطلب مستوى 104 ملايين برميل يومياً في 2024.
فما هي أبرز العوامل التي يفترض أن تحفز أسعار النفط، والعوامل التي تضغط هبوطاً على الأسعار؟
عوامل تحفز أسعار النفط
- العقوبات الغربية على النفط الروسي
اعتباراً من الربع الثالث 2023، نفذت غالبية دول الاتحاد الأوروبي، ودول غربية أخرى، عقوبات على روسيا قضت بالتوقف عن استيراد النفط ومشتقاته منها بسبب الحرب على أوكرانيا.
وحتى عشية الحرب الروسية الأوكرانية، بلغ متوسط الطلب العالمي على النفط الخام الروسي 5 ملايين برميل يومياً، وقرابة 4 ملايين برميل من المشتقات.
أمام هذه العقوبات، كان المنتجون يتوقعون ارتفاع الطلب على النفط الخام من خارج روسيا، ويكون التأثير مقتصراً فقط على الخام الروسي.
- خفض إنتاج النفط
وفي محاولة لتحفيز أسعار النفط، أعلن تحالف أوبك+ خفضاً بمقدار 3.6 ملايين برميل يومياً من إنتاج أعضائه، بدأ مطلع نوفمبر 2022 ويستمر حتى ديسمبر/ كانون الأول 2024.
ويعني القرار أن المعروض النفطي العالمي سيتراجع بمقدار كمية خفض الإنتاج المقرة، إلا أن أسعار النفط لم تبد ردة الفعل التي طمح إليها التحالف.
واعتباراً من يوليو/ تموز 2023، بدأ أعضاء في أوبك+ بقيادة السعودية وروسيا، خفضاً طوعياً يضاف للخفض الإلزامي، بمجموع 2.2 مليون برميل يومياً، إلا أن أسعار النفط لم تشهد ردة فعل صعودية، بشكل لافت.
- أزمة البحر الأحمر
واعتباراً من نوفمبر 2023، تعرضت سلاسل إمدادات السلع العابرة للبحر الأحمر لضربة حادة بإعلان جماعة الحوثي استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، كأحد أشكال دعم الفلسطينيين.
و"تضامناً مع قطاع غزة" الذي يواجه منذ نحو 5 أشهر حرباً إسرائيلية مدمرة بدعم أميركي، استهدف الحوثيون بصواريخ ومسيّرات سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بها في البحر الأحمر، قبل أن تمتد إلى السفن الأميركية والبريطانية.
إلا أنّ أزمة البحر الأحمر الذي يمر من خلاله 10% من إمدادات النفط والمشتقات العالمية المنقولة بحراً، لم تدفع نحو زيادة الأسعار إلا ببضعة سنتات، بحسب البيانات التاريخية حول أسعار النفط.
العوامل المثبطة للأسعار
- تجاوز روسيا للعقوبات الغربية
وأعلنت موسكو في أكثر من مناسبة أن العقوبات الغربية بوقف استيراد نفطها، لم تؤثر على كميات الإنتاج أو الصادرات، بإعلانها توقيع اتفاقيات توريد مع الصين والهند، المصنفتين أكبر وثالث أكبر مستوردتين للنفط عالمياً.
وفي الوضع الطبيعي، يبلغ متوسط إنتاج روسيا النفطي قرابة 10.5 ملايين برميل يومياً، لكن مع خفض الإنتاج الإلزامي والطوعي، تراجع الرقم إلى نحو 9 ملايين برميل يومياً.
- تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني
مطلع فبراير/ شباط الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أن يستمر التباطؤ الاقتصادي الصيني في السنوات المقبلة، فيما تعاني الدولة الآسيوية العملاقة من تلاشي الإنتاجية وتقدم السكان بالسن.
وسجّل الاقتصاد الصيني نمواً بلغ 5.2% العام الماضي وفق الأرقام الرسمية، وهي إحدى أقل نسب النمو منذ قرابة 25 عاماً.
يأتي تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني مع استمرار أزمة ديون قطاع العقارات إضافة إلى التوترات الجيوسياسية وضعف الطلب العالمي، فيما تعتبر بكين ثاني أكبر مستهلك للخام بعد الولايات المتحدة بمتوسط يومي 14 مليون برميل.
- زيادة الإنتاج الأميركي
وارتفع إنتاج النفط في الولايات المتحدة خلال العام الماضي إلى مستوى تاريخي جديد، ما ساهم في تصاعد الضغوط الهبوطية على أسعار النفط.
وفي فبراير الماضي، قالت إدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة، إن إنتاج النفط الخام الأميركي سجل مستوى قياسياً جديداً عند 13.3 مليون برميل يومياً في ديسمبر الماضي.
ويزيد الإنتاج بمقدار 1.3 مليون برميل يومياً مقارنة بأرقام 2022، ما يعني أنه عوّض جزئياً خفض الإنتاج الذي ينفذه تحالف أوبك+.
(الأناضول، العربي الجديد)