تتجه شركات النفط والمصافي العالمية إلى تحقيق أرباح ضخمة من الوقود خلال الصيف المقبل، خاصة في الدول التي خرجت مبكراً من جائحة كورونا، مثل الصين، أو تلك التي على وشك الخروج، مثل الولايات المتحدة.
كما أن شركات النفط التي كانت لديها مساحات تخزين ضخمة وتمكنت من تخزين الخامات النفطية الرخيصة في الربع الثاني من العام الماضي حينما انهارت أسعار النفط إلى أقل من 30 دولاراً في المتوسط للبرميل، ستتمكن من جني أرباح ضخمة خلال العام الجاري.
في هذا الشأن، كشف مسح لشركة "آي أتش أس" الأميركية للأبحاث، صدر يوم الثلاثاء الماضي، أن مبيعات الغازولين في الولايات المتحدة ارتفعت لأول مرة فوق المستويات التي كانت عليها قبل الجائحة في مارس/ آذار 2020. وحسب بيانات المسح الذي أجرته وحدة خدمات أسعار النفط التابعة للشركة وشمل 2500 محطة وقود في الولايات الأميركية، فإن الطلب على المشتقات النفطية تراجع بنسبة 27% بأميركا خلال شهر أبريل 2020. وقال الرئيس التنفيذي لوحدة الخدمات النفطية بـ"آي أتش أس"، بريان نورس، "بالتأكيد إن ارتفاع الطلب على الوقود من مستويات مارس الماضي أخبار سارة لانتعاش الاقتصاد الأميركي وبداية لعودة الحياة إلى طبيعتها في الولايات المتحدة". وحسب نشرة "أويل برايس"، ارتفعت أسعار الوقود في الولايات المتحدة بشكل متواصل لمدة 17 أسبوعاً.
وتشير بيانات اتحاد المركبات في أميركا، التي تراقب مؤشرات أسعار الوقود، إلى أن أسعار الوقود ارتفعت في المتوسط بنحو 33% في الولايات الأميركية خلال الــ 12 شهراً الماضية من مستوياتها الدنيا في الربع الثاني من العام الماضي إلى 2.88 دولار لغالون الغازولين.
لكن في العديد من الولايات الأميركية يدفع المستهلك الآن أكثر من 3 دولارات. ففي ولاية كاليفورنيا مثلاً، يدفع المستهلك أكثر من ثلاثة دولارات لغالون الغازولين. ويرى عدة خبراء أن سعر الغالون يتجه لتجاوز الثلاثة دولارات في المتوسط خلال الصيف المقبل.
في هذا الشأن، يرى المدير التنفيذي لاستراتيجيات الطاقة العالمية بشركة "آر بي سي كابيتال ماركتس" الأميركية، مايكل تران، أن "السوق يشير إلى أن سعر الغالون يتجه للارتفاع إلى أكثر من ثلاثة دولارات في المتوسط بالولايات الأميركية". وما يفاعل أسعار الوقود، ارتفاع شهية المواطن الأميركي للسفر والترفيه بعد فترة طويلة من الإغلاق وتقييد الحركة. كذلك لاحظ اتحاد شركات الطيران ارتفاعاً كبيراً في الحجوزات وتجاوز عدد المسافرين في المطارات الأميركية مليون مسافر في اليوم خلال النصف الأول من شهر مارس/ آذار الجاري.
وفي ذات الصدد، تتوقع خبيرة الطاقة بشركة "كي بي أم جي" لتدقيق الحسابات في تعليق لصحيفة "وول ستريت جورنال" يوم الخميس الماضي، أن يشهد صيف العام الجاري حركة سفر كثيفة في الولايات المتحدة، لأن "المواطنين قد أرهقهم الإغلاق والحبس في المنازل، وهم في حاجة ماسة للانطلاق والسفر والترفيه". وبالتالي إن مبيعات شركات المصافي سترتفع خلال الصيف المقبل، وترتفع تبعاً لذلك أسعار الوقود وأرباحها وأسهمها.
وحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن المصافي الأميركية تنتج من برميل النفط الخام نحو 20 غالوناً من الغازولين و12 غالوناً من وقود الديزل وزيت التدفئة. وهذا يعني أن ارتفاع سعر الغازولين إلى أكثر من 3 دولارات سيحقق لهذه المصافي أرباحاً ضخمة، إذ إنها ستبيع البرميل بعد التصفية بنحو 96 دولاراً.
وبالتالي، إن المصافي التي خزنت براميل النفط بسعر أقل من 30 دولاراً في العام الماضي تتجه لتحقيق ربح يقارب 66 دولاراً من البرميل قبل حساب كلف التشغيل والترحيل والضرائب. ويُعَدّ هذا من أسباب عودة المستثمرين لشراء أسهم شركات الطاقة التقليدية، على الرغم من سياسات الطاقة النظيفة التي أعلنها الرئيس جوزيف بايدن وينوي تنفيذها بعد عودة بلاده لاتفاقية باريس للمناخ.
وترجم ارتفاع سعر الوقود في الولايات المتحدة في سوق المال الأميركي "وول ستريت"، إلى ارتفاع كبير في أسعار أسهم شركات النفط والمصافي الأميركية، إذ ارتفعت أسهم شركات "أكسون موبيل" و"شيفرون" و"فيليبس" و"بيكر هيوز" وأسعار معظم المصافي الأميركية.
وبعض هذه الشركات حققت أسهمها ارتفاعات فوق 100% خلال الـ 12 شهراً الماضية، مثل شركة " أكس أل إي" الأميركية التي ارتفعت بأكثر من 102.3% حسب بيانات شركة "آي جي" التي نقلها موقع انفستبيديا، يوم الاثنين الماضي.
لكن ارتفاع أسعار الوقود لا يحدث فقط في الولايات المتحدة، بل في العديد من دول العالم، إذ يسبب في بعضها أزمات سياسية واقتصادية، بينما يعتبر ارتفاعه من علامات التضخم في الدول الغنية. ويبلغ متوسط سعر غالون الغازولين في الوقت الراهن عالمياً نحو 1.2 دولار، وفقاً لبيانات موقع "غلوبال بترول برايسس" الأميركي. وتتباين أسعار الوقود تبعاً لتقسيم الدول المنتجة والمستهلكة والغنية والفقيرة.
ويرى محللون أن تباين أسعار الوقود في الدول الصناعية يعود إلى التفاوت في نسبة الضرائب التي تجنيها خزائن الدول من الوقود. إذ إن الوقود، بسبب كثافة استخدامه في المواصلات والمصانع، يُعَدّ من العوامل الرئيسية في الحصول على دخل سريع لخزينة الدولة. ففي أوروبا تراوح أسعار الغازولين حالياً بين 1.74 دولار وأكثر قليلاً من دولارين في الدول الإسكندنافية.
وعادة ما تكون أسعار الغازولين والديزل رخيصة جداً في الدول المنتجة والدول الفقيرة ومرتفعة في الدول الغنية. لكن الأسعار في الولايات المتحدة، الدولة الصناعية المتقدمة، تخالف هذه القاعدة، إذ إن الإدارات الأميركية المتعاقبة تحرص على الاحتفاظ بسعر رخيص للوقود مقارنة بالدول الصناعية الأخرى. وذلك يجري ضمن الاستراتيجية الأميركية التي تستهدف التفوق الاقتصادي وزيادة تنافسية الصادرات والنمو الاقتصادي.
ويذكر أن أسعار أسهم الطاقة في سوق "وول ستريت" كسبت يوم الأربعاء الماضي نحو 5% بسبب جنوح سفينة يابانية عملاقة في قناة السويس، وما تبع ذلك من عرقلة حركة مرور الناقلات النفطية في الممر المائي.
واستفادت أسعار الوقود الأميركية في القفزة الكبرى من ثلاثة عوامل رئيسية، هي ارتفاع أسعار الخامات النفطية العالمية، إذ ارتفع خام برنت فوق 70 دولاراً للبرميل، بينما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي فوق 63 دولاراً للبرميل.
أما العامل الثاني، فهو انخفاض المساحات المتاحة لتخزين الوقود في الولايات المتحدة بسبب الاختناقات التي سببها تخزين الخامات الرخيصة في العام الماضي. أما العامل الثالث، فهو توقعات الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة وزيادة الوفورات النقدية للمستهلك الأميركي التي من المتوقع أن ترفع من القوة الشرائية وحركة السفر والسياحة خلال الصيف الجاري.
لكن في مقابل هذه العوامل التي رفعت آمال الشركات والمصافي الأميركية بحصاد ربحية ضخمة في الشهور المقبلة، هنالك مخاوف من انتكاسة في النمو الاقتصادي إن لم تتمكن السلطات الصحية الأميركية من السيطرة على جائحة كورونا، التي باتت من المحددات الرئيسية للتوجهات الاقتصادية في العالم.