بعد أربع سنوات من انخفاض منسوب المياه في أعالي نهر الراين بدأت المشكلة تظهر مرة اخرى في أهم طرق النقل المائي في ألمانيا، بفعل ارتفاع درجات الحرارة وقلة هطول الأمطار، وهذا ما يمكن أن يضر الصناعة والمستهلكين بشدة، لا سيما أنه تنقل عبر مجرى النهر سلع مثل الحبوب والمواد الكيميائية والمعادن والفحم ومشتقات الطاقة النفطية.
يأتي ذلك، في ظل سعي ألمانيا وأوروبا لتفادي أزمة اقتصادية هائلة في أوقات التضخم وندرة المواد الخام.
وتفيد التقارير بأن منسوب المياه في الجزء الجنوبي من النهر ينخفض إلى مستوى لم يعد يجعل الملاحة الداخلية مجدية اقتصادياً بين الولايات الفيدرالية مع نقص قدرة الشحن، وبالأخص السفن الكبيرة منها، والسبب في ذلك الجفاف المستمر الذي يخلق خطراً على الاقتصاد.
وإزاء ذلك، أبرزت صحيفة "دي فيلت" أنه بالرغم من أن سفن المجاري المائية الداخلية لا تزال تعمل نسبياً، إلا أن الوضع على الراين في ولاية بادن فورتمبورغ يزداد سوءاً، وسفن الشحن تتنقل بشحنات نصف ممتلئة، وإذا لم يكن هناك أمطار خلال الفترة القصيرة المقبلة في الجنوب الغربي فإن الملاحة النهرية ستتوقف قريباً.
وأمام ذلك، تتعرض الجمعيات التعاونية في بافاريا وبادن فورتمبورغ لضغوطات كبيرة في الوقت الحالي، إذ يحضر المزارعون لموسم الحصاد، إلا أن النقل بواسطة السفن عبر نهر الدانوب والراين ونيكار يصبح أكثر صعوبة من أسبوع إلى آخر.
إلى ذلك، نقلت الصحيفة عن خبراء أن مشغلي الطاقة التي تعمل بالفحم في جنوب غرب البلاد أبلغوا عن اختناقات متوقعة في الاحتياطات، وهم يعكفون حالياً على تشغيل محطات جديدة لاستبدال الغاز الطبيعي من الإمدادات الروسية بالفحم المحلي أو المستورد من دول أخرى لتوليد الطاقة.
يعتمد توريد البنزين والديزل وزيت التدفئة في جنوب غرب البلاد إلى حد كبير على الشحن الداخلي، عدا حاجات الصناعات الكيميائية، وأهمها مصنع "بي اي اس اف" في لودفيغسهافن، ومصانع الصلب إلى حد كبير.
وبالنسبة لربابنة الممرات المائية الداخلية، فإنه بات مثلاً بإمكانهم نقل نصف حمولة ناقلة شحن من 10 آلاف طن لاحتياطات محطات طاقة الفحم الحجري، ويتعين عليهم الآن السفر في كثير من الأحيان أكثر من مرة للحصول على كميات المطلوب تسليمها.
وفي خضم ذلك، بيّنت القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد دي أف" أنه ووفقاً لحسابات معهد كيل للاقتصاد العالمي فإن الوضع الآن هذه المرة أكثر تأزماً عما كان عليه في عام 2018، عندما عرقل انخفاض الراين الشحن لفترة طويلة وأدى حينها إلى تراجع الإنتاج الصناعي بنحو 1,5 بالمائة، ويعود سبب الخطورة حالياً، بحسب المعهد، إلى أن محطات الطاقة التي تعمل بالفحم لها أهمية كبيرة لتوليد الكهرباء بسبب ندرة الغاز الروسي، وتتأثر إمدادات الفحم بشكل خاص مع محدودية النقل المائي.
علاوة على ذلك، قد تضطر شركة الطاقة يونيبر إلى خفض إنتاجها من الكهرباء في بعض محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في الأسابيع المقبلة.
بالإضافة إلى ذلك، نقلت زد دي أف أيضاً عن إحدى شركات موردي الطاقة أن انخفاض مياه الراين يزيد من تكاليف النقل للطن الواحد، ما يؤدي إلى زيادة تكاليف تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وهذا ينسحب على قطاعات أخرى تعتمد على النقل عن طريق الممرات النهرية الداخلية.
وبالتالي من المرجح أن تؤدي تكاليف النقل المرتفعة إلى زيادة الضغط التصاعدي على المنتجين وسط التوقعات من قبل خبراء الأرصاد الجوية بالمزيد من أسابيع الجفاف في البلاد.
يبلغ منسوب المياه بالقرب من كوبلنز حوالي 52 سنتم، والسفن تحتاج إلى منسوب مياه يصل لحوالي 1,5 متر لتتمكن من الملاحة بكامل حمولتها، ولا يمكنها الآن تحميل سوى 25 إلى 35% من طاقتها، وهذا يعني أن العملاء غالباً ما يحتاجون إلى ثلاث سفن لنقل بضائعهم.