في العام 2019، بدأ النظام السوري بشن حملة كبيرة على الأسواق، بحجة محاربة التهريب، لكن فيما بعد اتضح أن هذه الحملة تهدف لمحاربة البضائع التركية فقط، ما يجعل الباب أمام إمكانية دخولها شبه مستحيل إلى مناطق سيطرة النظام حتى مع رخص سعرها بفعل تهاوي الليرة التركية.
لكن المشهد يختلف تماماً في مناطق سيطرة المعارضة شمالي سورية إذ تشكل البضائع التركية العمود الفقري لاقتصاد هذه المناطق، ما يجعلها عامل شقاء وليس رفاهية للمستهلكين.
الليرة التركية عملة رئيسية في الشمال السوري
وأضحت الليرة التركية، منذ نحو ثلاثة أعوام، العملة الرئيسية التي يتعامل بها السكان في مناطق سيطرة المعارضة السورية، ويتقاضون أجورهم بها، ما جعلهم أكثر تأثراً بتداعيات هبوط العملة التركية في كل شيء.
يقول سكان محليون في شمال غربي سورية، إن تراجع سعر صرف الليرة التركية في الآونة الأخيرة، أدى إلى تدهور حياة الكثير من الأسر المعيشية، وأصبح أكثر من 70% غير قادرين على تأمين حاجياتهم الأساسية من الأكل والشرب، بسبب التضخم، بينما تشهد الأسواق غيابا شبه كامل للرقابة، التي يمكن أن تردع التجار عن التحكم بالأسعار والتلاعب بها ، بحجة تذبذب سعر صرف الليرة التركية بين ساعة وأخرى.
ويشير علي المحمد، من سكان محافظة إدلب، وهو متزوج ولديه أربعة أطفال، إنه قبل أن تتعرض الليرة التركية للانهيار الأخير، وعندما كانت تراوح بين 8 إلى 9 ليرات مقابل الدولار، كان يتقاضى 600 ليرة تركية راتبا شهريا، ويقوم بأعمال إضافية تدر عليه مبلغا مماثلا، تكفي إلى حد كبير تغطية نفقات أسرته.
ويضيف المحمد لـ "العربي الجديد" أن دخله ارتفع إلى نحو 2000 ليرة تركية، ومع ذلك لم يعد قادراً على تأمين متطلبات أسرته من الغذاء وباقي مفردات الحياة الأساسية، مشيرا إلى أن الأسعار تتغير بين لحظة وأخرى، بحجة انخفاض سعر صرف الليرة التركية المستمر.
ويتابع أنه حتى عندما يتحسن سعر صرف الليرة التركية، فإن "التجار لا يخفضون الأسعار كما يجب، بسبب ضعف الرقابة على الأسواق، وعدم وجود قوانين رادعة وسلطات قادرة على تنفيذ هذه القوانين".
من جهته، يقر وزير الاقتصاد والمالية في ما تعرف بالحكومة السورية المؤقتة (محسوبة على هيئة تحرير الشام)، عبد الحكيم المصري، بعدم وجود رقابة على الأسعار في مناطق الشمال السوري المحرر من سيطرة النظام، وإنما الرقابة على المواصفات والنوعية وبعض المخالفات كالاحتكار.
ويشير المصري في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى صعوبة تحديد أسعار السلع، بسبب ارتفاعها المستمر، بالإضافة إلى أن الأسعار محررة وخاضعة للمنافسة، مضيفا: "لكن المواطن يستطيع تقديم شكوى إلى دوائر التموين المنتشرة في كافة مناطق شمال غربي سورية، في حال كان هناك احتكار لسلعة معينة، أو مخالفة من نوع ما، وهذه الدوائر مخولة باتخاذ كافة الإجراءات لمعالجة هذا الأمر".
أوضاع اقتصادية صعبة
ويرى أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في مناطق شمال غربي سورية، ليست مرتبطة بقرار التعامل بالليرة التركية بدلاً من الليرة السورية، وإنما بالدخل المنخفض، مشيرا إلى أن العملة السورية ليست أحسن حالاً، فهي الأخرى غير مستقرة، بالإضافة إلى أنه لا يوجد نظام اقتصادي يحميها بالشكل الذي يحافظ على استقرارها بشكل دائم.
وفقدت الليرة التركية نحو 44% من قيمتها في مقابل الدولار العام الماضي، رغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة أخيراً للحد من انهيار العملة، إذ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي عن إجراءات لحماية الودائع بالليرة من تقلبات القيمة لتقليص اكتناز الدولار، بعدما هبطت العملة إلى أدنى مستوى لها عند 18.36 مقابل الدولار منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي.
واستعادت الليرة نحو 50% من خسائرها في أعقاب هذه الإجراءات، ليصل الدولار إلى أقل من 11 ليرة، لكن سرعان ما عاودت الهبوط، لتصل أخيراً إلى 13.87 للدولار الواحد.