استمع إلى الملخص
- **الإجراءات التقشفية وتأثيرها**: التوسع في إصدار الديون الحكومية أدى إلى إهدار موارد الميزانية، والإجراءات التقشفية مثل رفع أسعار الخبز المدعم والوقود زادت من الأعباء الاقتصادية على المواطنين.
- **استمرار الاعتماد على الديون**: الدولة تعتمد على القروض الجديدة لتغطية الفجوة بين الإيرادات والنفقات، مما يزيد من احتمالات استمرار الاعتماد على الديون وتفاقم الأوضاع الاقتصادية.
أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، اليوم الأحد، ورقة تحليلية للموازنة المصرية للسنة المالية الجديدة، التي بدأ العمل بها مطلع الشهر الماضي، أظهرت فيها سيطرة الديون الحكومية وفوائدها على كل جوانب الموازنة، مشيرة إلى أن ذلك يعني أن دافعي الضرائب يمولون أرباح مقرضي الدولة من بنوك وأفراد ومؤسسات، في الداخل والخارج.
وقالت الورقة التي صدرت بعنوان "2024/2025: موازنة فوائد الديون.. التقشف لنا والأرباح للدائنين"، إن فوائد الديون المحلية والأجنبية في مصر، كما تظهر في الموازنة الجديدة، تستحوذ على نحو 91% من حصيلة الضرائب المتوقعة في العام المالي الجديد، ما تسبب في ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات، وانقطاع الكهرباء، وتدهور مستوى التعليم، وعدم توفر الكثير من الأدوية الأساسية.
الديون الحكومية تنغص معيشة المصريين
وأوضحت الورقة أن التوسع في إصدار الديون الحكومية على مدار عدة سنوات أدى إلى إهدار موارد الميزانية في مصر، وتحويلها بعيدًا عن خدمة المواطنين. وأشارت إلى أن الإجراءات التقشفية التي فرضتها الحكومة المصرية أحكمت قبضتها على معيشة المواطنين بعد بضعة أشهر من تخفيض قيمة العملة الوطنية، "وهو أمر مرشح للتكرار، بناء على اتفاقات مصر مع صندوق النقد الدولي"، وفقاً لما جاء بالورقة التحليلية.
وتزامنت فترة إقرار الموازنة وبداية العمل بها مع سلسلة من القرارات الحكومية التي جاءت على حساب الحقوق الأساسية للمواطنين في الغذاء والدواء والطاقة والحصول على الخدمات الطبية، حيث شهدت قرارات رفع سعر الخبز المدعم وزيادة أسعار الدواء، وخصخصة الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية، وزيادة أسعار تذاكر القطارات والمترو، ثم مؤخراً رفع أسعار الوقود، بكل ما يترتب عليها من آثار تضخمية تؤدي إلى المزيد من الارتفاع في أسعار السلع والخدمات.
وفي أول مؤتمر صحافي له بعد توليه المنصب، أكد وزير المالية المصري الجديد أحمد كجوك، القادم من قلب الوزارة والذي شارك بالتأكيد في إعداد الموازنة العامة للدولة، أن الحكومة تتبنى برنامجًا لخفض فاتورة خدمة الدين الحكومي. ومع ذلك، كان الملمح الأساسي للموازنة الجديدة هو أن الديون والتزامات سدادها وفوائدها تبتلع جزءًا كبيرًا من أوجه الإنفاق التي تخطط لها الحكومة.
وأشارت الورقة إلى أن الطريقة الأساسية التي تعتمد عليها الدولة في الحصول على موارد جديدة لتغطي الفجوة بين الإيرادات والنفقات هي الحصول على قروض جديدة، مؤكدة أن هذا يزيد من احتمالات استمرار الاعتماد على الديون الحكومية، ويدفع إلى تدهور الأوضاع مع تراكم مدفوعات خدمة الديون. وأضافت: "هذا يعني أن سياسات مصر الاقتصادية ستظل حبيسة تلك الحلقة المفرغة، المحكومة بخدمة الدين، لعدد غير معلوم من السنوات في المستقبل".
وتظهر بيانات الموازنة أن مخصصات الإنفاق على معظم بنود المصروفات ارتفعت بنسب تدور حول 20%، إلا مدفوعات فوائد الديون الحكومية التي زادت بنسبة 63%، والاستثمارات الحكومية التي تراجع الإنفاق عليها بنحو 15%. وأشارت الورقة إلى أن أخذ مؤشر تضخم أسعار المستهلكين في الاعتبار لحساب القيمة الحقيقية للنفقات يبيّن أن الإنفاق على كل بنود الموازنة قد تراجع من حيث القيمة الحقيقية، باستثناء بند وحيد شهد نموًا في الإنفاق الحقيقي، وهو بند فوائد الديون، الذي ارتفع بنسبة 21%.
ومع إشارتها إلى أن دافعي الضرائب يمولون أرباح مقرضي الدولة من بنوك وأفراد ومؤسسات، قالت الورقة إنه "إذا تم حساب نصيب الفرد من مدفوعات فوائد الديون الحكومية المتضخمة، فإنه يبلغ 17.2 ألف جنيه سنويًا، في حين يقل نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي على الصحة مثلا عن 1900 جنيه سنويًا".
وفي أكثر من مناسبة، كانت آخرها تصريحات الأسبوع الماضي لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، حاولت الحكومة المصرية التركيز على التطورات العالمية والأزمات الإقليمية باعتبارها مسؤولة وحدها عن أزمات الاقتصاد المصري، متنصلة من أي مسؤولية عن خلق تلك الأزمات، أو عن اللجوء إلى أدوات غير مناسبة لعلاجها.
ومع ذلك، أشارت الورقة إلى أن محدودية إيرادات الدولة، خلال العام الحالي وفي الأعوام السابقة، ترجع في جزء منها إلى طبيعة انحيازات الدولة وأولوياتها، مشيرة إلى عدم جمع الضرائب الكافية من الشركات والأفراد الذين يحققون أرباحاً ضخمة، ومن أصحاب الممتلكات والثروات ومضاربي البورصة وأصحاب الدخول العليا وكبار المهنيين، وشركات الأموال. وفي الوقت نفسه، يتحمل المستهلكون والعاملون بأجر العبء الأكبر في تمويل الضرائب، ما يساهم في تعميق اللامساواة وزيادة الهشاشة الاجتماعية، بدلًا من أن تلعب الدولة دورها في تحجيم الفقر والتفاوت الاجتماعي، وفقاً للورقة التحليلية.
وأكدت "المبادرة المصرية" أن الدولة طبقت خلال السنوات العشر الأخيرة مجموعة من السياسات والإجراءات التي وضعت الاقتصاد المصري تحت ضغوط هائلة، وزادت من هشاشته في مواجهة الأزمات الخارجية، وكان على رأسها التوسع الكبير في الاستدانة المحلية والخارجية بمختلف صورها. وأشارت إلى أن هذه الديون الحكومية كانت في أغلبها ﻷغراض غير إنتاجية، ولا ذات طبيعة حيوية وملحة، ولم يتم توجيهها إلى التنمية البشرية، ما خلق ضغطًا متزايدًا على مالية الدولة وعلى مواردها من العملة الصعبة، وفتح الباب لتخفيضات متتالية للعملة المحلية، وموجات متعاقبة من التضخم في أسعار المستهلكين.