غيرت أعباء الرهن العقاري المتزايدة في بريطانيا من أنماط شراء المنازل من جانب الأسر، وكذلك الأنماط المعيشية في ظل اضطرار الكثيرين إلى خفض الإنفاق على الطعام وإلغاء العضوبة في النوادي الرياضية والتخلي عن الإجازات المستحقة من أجل تدبير أقساط القروض العقارية.
ورفع بنك إنكلترا أسعار الفائدة إلى 5.25%، الخميس الماضي، وهي الزيادة الرابعة عشرة على التوالي، وسط تأكيدات بأن تظل معدلات الفائدة مرتفعة لفترة أطول. تقول جيما (37 عاماً) لـ "العربي الجديد" إنها كانت تخطّط لشراء منزل مع زوجها قبل بدء ارتفاع أسعار الفائدة بعام تقريباً. لكن خلال فترة البحث توعّكت صحة زوجها، واضطر إلى دخول المستشفى لأشهر. وخلال هذا المرحلة، ارتفعت أسعار الرهن العقاري بشكل كبير، ما أدى إلى تأجيل خططهما إلى أجل غير معلوم.
وتضيف "مع الارتفاع الجنوني لأسعار إيجارات المنازل والتكاليف بشكل عام. أصبحنا ندفع معظم الراتب على النفقات الشهرية، وعجزنا عن توفير أي مبلغ، وصارت أمنية شراء منزل بعيدة المنال. وبعد مرور عام تقريباً على هذه الحال، تحاورنا بهذا الشأن، وقررنا تقليص النفقات والانتقال إلى سكن صغير ومتواضع خارج لندن، وإلا فلن نتمكن من شراء منزل على الإطلاق. كذلك، ألغينا فكرة الإجازات والعديد من الأمور غير الأساسية كي نتمكن من توفير المال، ومع ذلك نجاهد حالياً لنوفر القليل من المال شهرياً، ونعيش على أمل انخفاض أسعار الفائدة في أقرب وقت ممكن".
بدوره يقول ديريك (60 عاماً) إنه باع منزله قبل ارتفاع أسعار الفائدة، وسافر بعدها في إجازة طويلة إلى دول آسيوية للاستراحة من ضغوط الحياة في بريطانيا، وكان يفكر في شراء منزل أحلامه لدى عودته إلى البلاد.
ويضيف "صدمني ارتفاع أسعار الفائدة الكبير، ففكرت بالتريث واستئجار سكن مؤقت ريثما تعود الأمور إلى نصابها. بيد أن الأسعار استمرت في الصعود، واليوم أجد نفسي أدفع مبالغ طائلة على الإيجارات، ومع ذلك، لن أتورط في رهن عقاري مرتفع، وأفضّل الانتظار ولو لبضع سنوات أخرى، كوني أشتري آخر سكن لي حيث سأمضي بقية حياتي، وأريد أن أختار المنزل الذي طالما حلمت بامتلاكه".
وتزيد مشكلة تكاليف الرهون العقارية المرتفعة من أزمة الإسكان والإيجارات في بريطانيا. وفي المتوسط، يدفع المستأجرون ما يزيد عن ثلث أجورهم إلى الملاك من القطاع الخاص، ما يفاقم ضغوطهم المالية. وسلط تحقيق أجرته صحيفة الإندبندنت الشهر الماضي، الضوء على جانب آخر مقلق لأزمة الإسكان. فقد كشفت الصحيفة عن أن غالبية المجالس المحلية فشلت في بناء منزل واحد في السنوات الخمس الماضية، على الرغم من وجود 1.2 مليون فرد عالقين في قوائم الانتظار للحصول على حلول سكنية ميسورة التكلفة.
وفي نقد لاذع، وصفت الإندبندنت خطة الإسكان الحكومية بأنها "صغيرة جداً ومتأخرة للغاية". وتأتي هذه الانتقادات رداً على تصريح وزير الإسكان مايكل جوف، الذي قال إن الهدف الطموح لبناء 300 ألف منزل سنوياً لم يكن قط إلزامياً. وأثارت الإحصاءات المقلقة انتقادات حادة من حزب العمال، وهو ما يؤكد الحاجة الملحة إلى معالجة أزمة الإسكان.
رداً على ذلك، تقول الحكومة إنها تعمل بنشاط على إدخال إصلاحات على قطاع الإيجارات وخصصت التمويل المناسب لدعم الإسكان. بيد أن العديد من المنظمات الخيرية، تشدد على ضرورة اتخاذ تدابير، مثل وضع حدود لزيادة الإيجارات، وزيادة الدعم لأولئك الأكثر تضرراً من ارتفاع تكاليف السكن.
وفي السياق، تسلّط كارا باتشيتي، كبيرة الاقتصاديين في مؤسسة "ريزوليوشن فاونديشن" (مركز أبحاث يعنى بتحسين مستوى المعيشة لذوي الدخل المنخفض)، الضوء على العبء المالي المستمر الذي يواجهه المستأجرون، مؤكدة أن الاستئجار من القطاع الخاص "أغلى خيار متاح للسكن".
توضح باتشيتي، وفق ما نقلت صحيفة الإندبندنت، الاثنين، أنه على مدى العقدين الماضيين انخفض متوسط المساحة المتاحة للمستأجر بنسبة 20%، كما فشلت نسبة 25٪ من المنازل المؤجرة الخاصة في تلبية معيار المنازل اللائقة خلال الفترة من 2021 إلى 2022، لافتة إلى أن أوجه القصور هذه تشكل تهديدات كبيرة لمستويات معيشة المستأجرين، كما تؤكد الحاجة لتحسين ظروف الإسكان بالإيجار.
وتشدد المؤسسات الخيرية المعنية بأزمة السكن، أن وضع المستأجرين يزداد سوءًا بشكل أسرع مما يمكن للإحصاءات الرسمية تتبعه.
وتشير كيم كينيرد، الخبيرة في بنك هاليفاكس، وهو أكبر مقرض للرهن العقاري في المملكة المتحدة، إلى أن هناك اهتماما متزايدا بالمنازل الأصغر من قبل المشترين لأول مرة على الرغم من انخفاض أسعار المنازل مؤخرا، في خطوة تعبر عن الرغبة في تلافي تأثير الظروف الاقتصادية الصعبة.
ووفقاً لبيانات صادرة حديثاً عن شركة "نيشن وايد" للرهن العقاري، تراجعت أسعار المنازل بنسبة 3.8% في يوليو/تموز عن نفس الفترة من عام 2022، في أكبر وتيرة انخفاض منذ عام 2009. أما على أساس شهري فانخفضت الأسعار 0.2%، ليصل متوسط سعر المنزل الواحد إلى نحو 260.8 ألف جنيه إسترليني (334.6 ألف دولار).
ورغم تداعيات ارتفاع تكاليف الرهون العقارية على قدرة الأسر على شراء منزل، رأت كينيرد في تصريحات لمجلة فوربس، الاثنين، أن الفترة المقبلة قد تشهد تحسناً، موضحة أن أرقام التضخم جاءت أفضل من المتوقع في يونيو/حزيران الماضي، مسجلة 7.9%، ما يعني أن الزيادة الأحدث من قبل بنك إنكلترا لسعر الفائدة قد تكون الأخيرة في الدورة الحالية.
واضطر بنك إنكلترا إلى رفع أسعار الفائدة بشكل متتال منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2021، لمواجهة التضخم الجامح الذي بلغ أعلى مستوى في 41 عاماً عند 11.1% في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وقال روبرت غاردنر، كبير الاقتصاديين في مؤسسة "نيشن وايد"، لفوربس، الاثنين، إن تكاليف الرهن العقاري المرتفعة أدت إلى إضعاف الطلب على شراء المنازل، الأمر الذي قد يكون له تأثير سلبي على الأسعار.
وفي محاولة لتحريك السوق، أقدمت بعض مؤسسات الرهن العقاري خلال الأسبوعين الماضيين، على خفض تكلفة الرهون العقارية، لكن نسبة الخفض تظل محدودة بالنظر إلى المستويات القياسية التي وصلت إليها أسعار الفائدة على هذه النوعية من القروض.
وكان متوسط أسعار الفائدة الثابتة لمدة خمس سنوات على قروض الرهن العقاري نحو 3% منذ نحو عام، في حين تصل حاليا إلى 6.85% لأجل عامين، وهي نسبة قريبة من أعلى مستوى في 15 عاماً، وفقاً لبيانات موقع Moneyfacts.