تدفع أزمة الغذاء العالمية والتضخّم دول غرب أفريقيا نحو السعي لتحقيق اكتفاء ذاتي والحد من الاعتماد على استيراد الأرز، الذي يعدّ مادة غذائية أساسية في القارة، من الهند، التي فرضت قيوداً على الصادرات في سبتمبر/أيلول الماضي.
حول قرية داك في وسط السنغال، تقطع النساء نبات الأرز بالمناجل والسكاكين بينما يغنين ويرقصن. في هذا البلد الواقع في غرب أفريقيا والذي يعدّ مستهلكاً رئيسياً للحبوب، لن يغطّي الحصاد الحالي جميع الاحتياجات.
تقول دييتيو ضيوف، المسؤولة في جمعية للنساء، وسط حقل أرز، إن "هذا الإنتاج مخصّص للاستهلاك الذاتي. لم نعد نريد شراء أرز مستورد باهظ الثمن".
يتأثر الأرز، الذي يعدّ أحد العناصر الغذائية الأساسية في النظام الغذائي الأفريقي، بإعلان الهند، ثاني أكبر منتج في العالم، قيوداً على صادراتها في أيلول/سبتمبر. وأثار ذلك مخاوف من حدوث نقص في أفريقيا، حيث كان أكثر من 280 مليون شخص يعانون بالفعل من نقص التغذية في العام 2020، وفقاً للأمم المتحدة.
حظر العملاق الآسيوي تصدير الأرز المكسور وفرض ضريبة بنسبة 20 في المئة على صادرات الأرز عالي الجودة لتحسين العرض المحلّي، بعد جفاف كبير في مناطق الإنتاج الرئيسية.
ولمحاربة المضاربة، حدّدت السنغال أخيراً سعر الكيلوغرام من الأرز الهندي المكسور عند 325 فرنكاً أفريقياً (0,5 يورو)، وهو أحد أقل المواد تكلفة وأكثرها استهلاكاً، كما أنه الوحيد تقريباً الذي يجرى استيراده إلى البلاد، وفقاً لوالي ضيوف، منسق البرنامج الوطني للاكتفاء الذاتي من الأرز.
هلع وتوتر
تمثّل أفريقيا 23 في المئة من واردات الأرز العالمية لنحو 13 في المئة من سكان العالم، وفقاً لـ"أفريكا رايس" وهو مركز أبحاث في أبيدجان يضم 28 دولة.
ويشير المركز إلى أنّ "إنتاج الأرز المحلّي لا يغطّي سوى 60 في المئة من الطلب الحالي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى"، لذا، فقد أدى قرار الهند الحدّ من صادراتها إلى حالة من الذعر في العديد من البلدان الأفريقية حيث يعتبر الأرز سلعة أساسية.
في جزر القمر، الأرخبيل الذي يبلغ عدد سكانه 890 ألف نسمة، وحيث يعيش أكثر من ربع السكان بأقل من يوروين في اليوم، تسبّب ارتفاع سعر الأرز في اشتباكات في نهاية أيلول/سبتمبر.
في ليبيريا، تشكّلت طوابير أمام محال تجّار الجملة وسط شائعات عن شحّ في هذه المادة، ووصلت الأسعار إلى ما يعادل 23 يورو لكلّ كيس يحتوي على 25 كيلوغراماً، مقارنة بنحو 13 يورو عادة.
ويقول ضيوف إنّ "تهديد (الشح) حقيقي في السنغال" عندما تقول الهند إنها لن تصدّر هذه المادّة بعد الآن. وشهدت البلاد في العام 2008 "أعمال شغب بسبب الغذاء" في ظلّ الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية الأساسية.
على مدى العامين الماضيين، "أنتجت السنغال حوالى 840 ألف طن من الأرز سنويًا، أي ما يكفي لتسعة أشهر من الاستهلاك، وهي كمية متزايدة"، وفق ضيوف.
وأوضح أنّ البلاد "تستورد ما معدّله 900 ألف طن من الأرز كل عام. وهذا يتجاوز الاحتياجات، لكنّ الاستيراد يسمح (بضمان) توفّر المنتج وتجنّب المضاربة".
إنتاج محلي
الهدف هو تقليل هذا الاعتماد، يقول والي ضيوف: "في العام 2030، نتوقع أن يصل الاستهلاك في السنغال إلى 1,5 مليون طن من الأرز سنوياً. لقد عملنا على استراتيجية للتحرّك نحو الاكتفاء الذاتي". ويقدّر المجهود المالي الضروري للوصول إلى الاكتفاء الذاتي بحوالى 1,371 مليار فرنك إفريقي (حوالى ملياري يورو).
يقول محمدو مصطفى دياك، رئيس اتحاد المنتجين في بوندوم (شمال): "نحتاج إلى المزيد من حقول الأرز والقروض والحصّادات وإلى إعادة تشكيل نظام الري".
بعيداً عن الكمية، فقد أدّت الجودة المنخفضة المفترضة للأرز المنتج في السنغال إلى ابتعاد المستهلكين لفترة طويلة عنه. ويقول بيرام ضيوف، المسؤول عن مشغل أرز في روس بيثيو (شمال) تُزال فيه الشوائب مثل الحصى الصغيرة، لوكالة فرانس برس، "لقد تغيّر ذلك". فالحبوب تُغمر في أوعية ضخمة، حيث يجرى تقشيرها وتنظيفها وتحويلها إلى أرز كامل أو مكسور.
تأمل السنغال في أن تحذو حذو ساحل العاج، حيث "شهدت الكميات المستوردة من الهند انخفاضاً بنسبة 24 في المئة من العام 2021 إلى العام 2022. وكان هناك استبدال بالأرز المحلّي في تقدّم واضح، تبعه بعد ذلك الأرز من أماكن أخرى"، حسب ما تقول ريجينا أديا، مسؤولة الاتصالات في وكالة تنمية قطاع الأزر في ساحل العاج (أديريز).
وتتمثل الاستراتيجية الأخرى في تلك التي تعتمدها نيجيريا، حيث تُفرض ضرائب عالية على الأرز المستورد عند وصوله إلى الموانئ ويمنع من الدخول عن طريق البر.
(فرانس برس)