أظهرت بيانات رسمية صدرت، اليوم الجمعة، في برلين نمو الاقتصاد الألماني بشكل غير متوقع في الربع الثالث من العام الجاري، تزامناً مع ارتفاع معدل التضخم في البلاد، في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إلى 10.4%، إلا أنّ وتيرة ارتفاع أسعار المستهلكين في الاقتصاد الأكبر في أوروبا، كانت أبطأ مقارنة بالأشهر السابقة.
ورغم النمو الألماني، مازال شبح الركود يخيم على المنطقة، لا سيما مع تراجع النمو في العديد من دول منطقة اليورو، مثل فرنسا وإسبانيا، بسبب استمرار التضخم المرتفع، وأزمة الطاقة التي مازالت تعانيها بعض الدول الأوروبية.
وتسبب ارتفاع تكاليف الغذاء والخدمات في زيادة معدل التضخم في ألمانيا، بينما ارتفعت أسعار الطاقة بشكل أقل حدة، وفقاً للبيانات الأولية الصادرة عن وكالة الإحصاء Destatis. وكان معدل التضخم في البلاد، الشهر الماضي، قد سجل 10%.
ويستعد الأوروبيون لشتاء صعب، حيث تقطع روسيا إمدادات الغاز في أعقاب حرب أوكرانيا، مما أدى إلى ارتفاع فواتير التدفئة وتفاقم أزمة تكلفة المعيشة للملايين.
وعلى الرغم من التوقعات القاتمة، فاجأت ألمانيا المحللين بإعلانها نمواً بنسبة 0.3% على أساس ربع سنوي، مدفوعاً بشكل أساسي بإنفاق المستهلكين.
وفي نفس الوقت، سجلت فرنسا وإسبانيا نمواً بنسبة 0.2% خلال الربع الثالث من العام، وهو ما يعد تباطؤاً كبيراً، مقارنةً بمعدل نمو 0.5% و1.5% شهدتاه خلال الربع السابق.
وقالت وكالة الإحصاء الفيدرالية الألمانية Destatis: "تمكّن الاقتصاد الألماني من الصمود على الرغم من استمرار جائحة كوفيد 19، وانقطاع سلسلة التوريد، وارتفاع الأسعار والحرب في أوكرانيا".
لكن الاقتصاديين حذروا من أنّ بيانات اليوم الجمعة وفّرت فقط فترة راحة قصيرة، وأنّ الركود قادم، حيث أدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية ولا سيما تكاليف الطاقة.
وغذت تداعيات الحرب التضخم في منطقة اليورو، فسجل مستوى قياسياً بلغ 9.9% في سبتمبر/ أيلول الماضي، وهو ما أدى إلى انخفاض دخل الأسر وزيادة التكاليف على الشركات.
وقال الخبير الاقتصادي لدى "آي إن جي"، كارستن برزيسكي، لـ"فرانس برس"، إنّ "بيانات النمو الإيجابية اليوم مفاجأة مرحّب بها. ومع ذلك، هذا لا يعني أنّ الاقتصاد الألماني سيكون قادراً على منع الركود. تم تأجيل الركود فقط، ولم يتم إلغاؤه".
وتتوقع الحكومة الألمانية أن ينكمش اقتصادها بنسبة 0.4% في عام 2023.
وفي فرنسا، ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، ساعد إنفاق الشركات الاستثماري على استمرار الزخم، لكن تعزيز النمو في قطاع الخدمات، بعد الإغلاق المرتبط بالوباء، بدأ في التلاشى، بحسب المحللين.
وقال الخبير الاقتصادي في "أليانز تريد" ماكسيم دارميت، إنّ النمو الضعيف في فرنسا في الربع الثالث قد يكون "آخر دفعة قبل الركود". وأضاف دارميت "مع ارتفاع أسعار المستهلكين في فرنسا إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1985، فإنّ الأسر ستشعر بشدة بانخفاض قوتها الشرائية".
ووعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخيراً بدعم الأسر خلال الأوقات الصعبة، بعد أن عرقلت البلاد أسابيع من الإضرابات بسبب رواتب العمال في مصافي النفط ومستودعات الوقود.
وفي إسبانيا، أرجع محللون النمو المتباطئ إلى الأداء الضعيف في قطاع العقارات، حيث تقلص النشاط بنسبة 2.5%، وتراجعت الصادرات واستثمارات الشركات.
ولفت خبير الاقتصاد لدى "آي إن جي" ووتر تييري، إلى أنّ الموسم السياحي القوي وازدياد الطلب المحلي جنّبا إسبانيا الانكماش. لكن في وقت تبدو العديد من المؤشرات سلبية، قال تييري "نتوقع ركوداً معتدلاً في الاقتصاد الإسباني خلال الفصلين المقبلين".
وقام البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس برفع أسعار الفائدة بثلاثة أرباع النقطة المئوية لمكافحة التضخم، لكنه أقرّ بأنّ تكاليف الاقتراض المرتفعة ستزيد من حدة الألم الاقتصادي.
وقالت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، إنّ احتمال حدوث ركود في منطقة اليورو "يلوح في الأفق أكثر بكثير من أي وقت مضى".
(فرانس برس، العربي الجديد)