أوروبا تتجه إلى ضريبة الإثراء لحل أزمتها المالية.. حل سحري أم طاردة للثروات؟

27 أكتوبر 2024
مظاهرة ضد الفقر في باريس، 7 سبتمبر 2024 (جيروم جيل/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تفاقمت أزمة الديون في الاتحاد الأوروبي منذ 2009، حيث بلغت 12 تريليون دولار بحلول 2023، نتيجة للديون الحكومية المفرطة وضعف القطاع المصرفي، مما استدعى تدخل الاتحاد الأوروبي لإنقاذ دول مثل اليونان وإيطاليا.

- تتجه بعض الدول الأوروبية لفرض ضريبة على الأثرياء كحل للأزمة، رغم الانتقادات والمخاوف من هروب رؤوس الأموال، مما يستدعي تنسيقاً دولياً ونهجاً متوازناً بين السياسة المالية والإصلاحات الهيكلية.

- يرى خبراء أن زيادة الضرائب على الأثرياء ضرورية للحد من التفاوت، لكن فعاليتها تعتمد على الظروف الاقتصادية الأوسع، مما يتطلب إصلاحات شاملة لضمان النمو المستدام.

بينما تتفاقم أزمة الديون في دول الاتحاد الأوروبي ويتزايد العجز المالي فوق معدل 3.0% من إجمالي الناتج المحلي، تتجه بعض الدول الأوروبية لحل الأزمة عبر فرض ضريبة الثروة على الأثرياء، ولكن هل ينجح هذا الحل؟ وما المشاكل التي تنتج منه؟

بلغ حجم الديون السيادية في أوروبا 12 تريليون دولار في نهاية عام 2023، وفق بينات البنك المركزي الأوروبي. وبدأت أزمة المال في أوروبا في عام 2009، واستمرت حتى أواخر عام 2010، مدفوعة في المقام الأول بمجموعة من العوامل بما في ذلك الديون الحكومية المفرطة، ونقاط الضعف في القطاع المصرفي، والاختلالات الاقتصادية بين الدول الأعضاء. وواجهت بلدان مثل اليونان، وأيرلندا، والبرتغال، وإسبانيا، وإيطاليا تحديات مالية حادة استلزمت التدخل من جانب الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية في بداية العقد الحالي لإنقاذها من هاوية الإفلاس. وسلطت الأزمة الضوء على نقاط الضعف الهيكلية داخل منطقة اليورو التي أثارت تساؤلات عن السياسات المالية والإدارة الاقتصادية.

ومن بين الحلول المقترحة حالياً لمعالجة التحديات المالية التي تواجهها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فرض ضرائب على الأثرياء. فقد صوت مجلس الشعب الفرنسي يوم الجمعة الماضي لصالح فرض ضريبة جديدة على الأصول التي تتجاوز قيمتها عتبة المليار يورو بنسبة 2%. وتتجه بريطانيا لفرض ضريبة كذلك على الثروة. ولكن هذه الضريبة تواجه انتقادات من قبل بعض الساسة والبنوك. وفي هذا الإطار، انتقد لوران سان مارتن، الوزير المنتدب للميزانية والحسابات العامة في الحكومة الفرنسية الضريبة، ووصفها بأنها "أفضل طريقة لتخويف أولئك الذين يمكنهم الاستثمار في فرنسا" في تعليقات نقلتها يورو نيوز يوم الجمعة. من جانبه، قال مصرف "بي إن بي باريبا" إن الضرائب التصاعدية يمكن أن تساعد في تمويل الخدمات الأساسية، لكنه حذر من الإفراط في الاعتماد على مثل هذه التدابير دون معالجة أوجه القصور الاقتصادية الأساسية. واقترح في الوقت نفسه اتباع نهج متوازن يجمع بين السياسة المالية والإصلاحات الهيكلية. أما مصرف باركليز البريطاني، فيرى أهمية التعاون الدولي في تنفيذ السياسات الضريبية التي تستهدف الثروة. وأشار إلى أن الإجراءات الأحادية التي تتخذها الدول قد تؤدي إلى هروب رؤوس الأموال أو استراتيجيات تجنب الضرائب ما لم تُبذَل جهود منسقة على مستوى الاتحاد الأوروبي.

فوائد الضريبة على الثروة

يرى صندوق النقد الدولي في دراسة في 20 أكتوبر 2020، أن زيادة الضرائب على الأثرياء لا يمكن أن توفر تخفيفاً مالياً فورياً فحسب، بل تساهم أيضاً في الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل من خلال الحد من عدم المساواة في الدخل. في ذات الصدد، يقول غابرييل زوكمان، الخبير الاقتصادي المعروف بدراسته في مجال التفاوت في الثروة، إن زيادة الضرائب على الأفراد من ذوي الثروات العالية أمر ضروري للحد من التفاوت وتوليد الإيرادات للاستثمار العام. وأضاف في تعليقات نقلتها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، أن "الأغنياء خضعوا للضرائب بشكل أقل لعقود من الزمن"، ما يشير إلى أن النظام الضريبي الأكثر عدالة يمكن أن يخفف بعض الأعباء المالية التي تواجهها الحكومات.

ويتفق معه الاقتصادي توماس بيكيتي، وهو خبير اقتصادي بارز، الذي أكد في كتابه "رأس المال والإيديولوجية" أن الضرائب التصاعدية ضرورية لمعالجة عدم المساواة المتزايدة. ويرى أنه من دون إصلاحات كبيرة للأنظمة الضريبية في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك زيادة الضرائب على الثروة والميراث، فإن البلدان ستكافح من أجل تمويل الخدمات الأساسية في المستقبل.

من جانبه يرى مصرف "دويتشه بنك" الألماني، أن فرض الضرائب على الأغنياء يمكن أن يوفر تخفيفاً للمالية العامة على المدى القصير، إلا أنه ليس علاجاً سحرياً للقضايا الهيكلية طويلة المدى داخل اقتصاد الاتحاد الأوروبي. وأكد أن الإصلاحات الشاملة ضرورية إلى جانب أي إجراءات ضريبية لضمان النمو المستدام.

جدوى الضريبة على الإثراء ومخاوف هروب الثروات

يعارض سياسيون تطبيق ضرائب أعلى على الأفراد الأثرياء بحجة أن الضرائب قد تثبط الاستثمار أو تؤدي إلى هروب رؤوس الأموال، حيث ينقل الأفراد الأثرياء أصولهم من الدول الأوروبية إلى الخارج لتجنب زيادة الضرائب. ويرى خبراء في هذا الشأن، أن زيادة الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع يمكن أن تؤثر سلباً في النمو الاقتصادي، ويشيرون إلى أن تصميم نظام ضريبي فعال يستهدف الثروة بدقة أمر معقد بسبب مشكلات مثل استراتيجيات تجنب الضرائب التي يستخدمها الأفراد والشركات ذات الدخل المرتفع.

ويقول محللون إن فعالية زيادة الضرائب بشكل كبير تعتمد على الظروف الاقتصادية الأوسع؛ وإذا ظلت الاقتصادات راكدة أو دخلت مراحل الركود، فإن حتى زيادة الإيرادات الضريبية قد لا تكون كافية لحل القضايا المالية الأساسية. 

المساهمون