دفعت الحكومات الأوروبية مئات المليارات من اليوروهات لتخفيف أزمة الطاقة وارتفاع التضخم وتراجع معدل الأجور الحقيقية وغلاء أسعار السلع والخدمات. ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، ارتفعت أسعار الجملة للكهرباء والغاز في الاتحاد الأوروبي إلى خمسة عشر ضعفًا، ما كان له آثار خطيرة على الأسر التي اكتوت بنيران غلاء أسعار المنازل والسلع التموينية. كما عانت شركات الطاقة من مشاكل سيولة وسط مخاوف من الإفلاس وتهديد قطاع المصارف.
ورداً على ذلك، اتخذت الحكومات الأوروبية مجموعة من الإجراءات. وقد أدخل البعض تدابير على مستوى البيع بالتجزئة، في حين أدخل البعض الآخر ضرائب غير متوقعة على الأرباح على شركات الطاقة. وحسب معهد بروغيل للدراسات، فقد تراوحت معالجة الحكومات الأوروبية بين ثلاثة حلول وهي، تلبية إمدادات الطاقة بأسعار لا تسبب ضررًا كبيرًا للاقتصاد الأوروبي، وكذا حماية المستهلكين الأكثر ضعفًا. إضافة إلى الاستثمار في نظام طاقة مستدام لحماية أمن الطاقة الأوروبي.
وأدت حرب أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية إلى ارتفاع معدلات التضخم في الاتحاد الأوروبي إلى أكثر من 10%، بسبب الارتفاع الشديد في أسعار المواد الغذائية والطاقة، مع ارتفاع أسعار المستهلكين إلى 25% على أساس سنوي في بعض الدول الأوروبية الضعيفة مثل إستونيا. وحتى في الدول الأوروبية الغنية فإن التضخم جعل الأجور الحقيقية تنكمش وبدأ المواطنون يشعرون بالضيق مع تسارع التضخم هذا العام.
وكشف مركز أبحاث بروغيل للدراسات في بروكسل أن حجم الأموال التي خصصتها دول الاتحاد الأوروبي، منذ شهر سبتمبر/آيلول الماضي، للتخفيف من حدة أزمة الطاقة على الأسر والشركات، بلغ نحو 280 مليار يورو (ما يوازي 278 مليار دولار). وتغطي تلك المخصصات، وفقاً لما أعلنه المركز، عدة قطاعات عريضة، بداية من دعم الرسوم الجمركية للشركات الصغيرة في اليونان، إلى المدفوعات المباشرة للمستهلكين في بلجيكا، كما أن بعض تلك المخصصات لم يتم إنفاقه بعد.
ألمانيا
في برلين، خصصت الحكومة الألمانية وحدها مبلغ 200 مليار يورو لتخفيف العبء المالي على مستهلكي الطاقة. وقال المستشار الألماني أولاف شولتز في تصريحات صحافية إن الحكومة ستعيد تنشيط صندوق الاستقرار الاقتصادي المستخدم سابقاً خلال الأزمة المالية العالمية ووباء فيروس كورونا. وتواجه ألمانيا زيادة حادة وصلت إلى ثلاثة أضعاف في فواتير الطاقة على المستهلكين من الأسر والشركات، وسط خطة أوروبية لإدارة أزمة الطاقة خلال الشتاء المقبل. وأضاف شولتز أن قرار موسكو قطع الغاز الطبيعي عن أوروبا، والتسربات الأخيرة على خطي أنابيب نورد ستريم، أظهرا أنه لا يمكن توقع المزيد من إمدادات الطاقة الروسية في المستقبل القريب. وأجرى المستشار الألماني نهاية الأسبوع الماضي، جولة شملت السعودية والإمارات وقطر، بهدف توقيع عقود لتوريد الطاقة إلى بلاده. وكانت ألمانيا تستورد 50% من حاجتها للغاز الطبيعي من روسيا، قبل أن تتراجع حالياً لأقل من 20%، فيما تؤكد الحكومة أن وارداتها ستكون صفراً خلال سنوات قليلة.
بريطانيا
في لندن قالت الحكومة البريطانية إنها ستحد من تكلفة الجملة للكهرباء والغاز للشركات والأعمال لتكون أقل من نصف سعر السوق اعتباراً من الشهر الجاري للمساعدة في تخفيف عبء تكلفة الطاقة التي ارتفعت أسعارها بشدة لكن بما يضيف للإنفاق الحكومي الآخذ في التزايد بسرعة. وحسب بيانات الحكومة البريطانية، سيتم تحديد حد أقصى لسعر البيع بالجملة للكهرباء عند 211 جنيها إسترلينيا (239 دولارا) للميغاوات في الساعة وللغاز بسعر 75 جنيها للميغاوات في الساعة مقارنة بسعر السوق البالغ 600 جنيه و180 حنيها على الترتيب. وقدرت تقارير دعم أسعار الطاقة لمدة ستة أشهر في بريطانيا أنه سيكلف الحكومة 42 مليار جنيه إسترليني بما سيضاف لأكثر من 100 مليار جنيه إسترليني.
فرنسا
وفي باريس قررت الحكومة الفرنسية دعم أسعار البنزين بما يعادل 0.15 يورو أو نحو 16 سنتاً لكل لتر بنزين لمساعدة الشركات والأسر. وبدأ هذا الإجراء منذ إبريل/نيسان الماضي وكلف الحكومة 2.2 مليار يورو. وسيساعد الدعم في تخفيف فواتير الطاقة وكلف شركات الشحن والنقل.
استعادة جزء من أرباح الطاقة
اتفق وزراء الطاقة الأوروبيون يوم الجمعة الماضي، على إجراءات طارئة لمساعدة الأسر والشركات في مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، وفق ما أعلنت الرئاسة التشيكية لمجلس الاتحاد، بحيث تتمثل هذه الإجراءات في استعادة جزء من "الأرباح الفائقة" التي حققتها شركات إنتاج الطاقة لإعادة توزيعها على المستهلك، وفي تقليل الطلب على الكهرباء في أوقات الذروة. غير أن الوزراء ما زالوا منقسمين حول مسألة تحديد سقف لسعر واردات الغاز، وهو إجراء يصطدم بصورة خاصة بتمنع ألمانيا.