يظهر الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول لتونس حرصا على مساعدة البلاد على التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي رغم تصلب موقف السلطات المحلية التي تتمسك بالدفاع عن حقوقها في تطبيق خطة إصلاح اقتصادي تحمي الطبقات الضعيفة والمتوسطة من ارتدادات ضغوط مؤسسات التمويل الدولية.
ويحاول مسؤولون أوروبيون منذ أشهر تعبيد الطريق لتونس نحو الحصول على موافقة الصندوق لتوفير خط تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار، وسط قلق من إمكانية تعثر تونس في سداد ديونها ودخول البلاد في فوضى اجتماعية تخلّف موجات هجرة كبيرة نحو الضفة الشمالية للمتوسط.
وأول من أمس الأحد، وعدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، بمناقشة حزمة دعم مالي لتونس تصل إلى 900 مليون يورو، بعد التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وذلك عقب لقاء جمعها بالرئيس قيس سعيّد، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس وزراء هولندا مارك روته.
وأدى قادة أوروبيون، زيارة إلى تونس التقوا خلالها سعيد، في إطار محادثات حول خطة دعم مالي لتونس واتفاقات حول ملف مكافحة الهجرة غير النظامية.
وجاءت زيارة الوفد الأوروبي الأحد، بعد أيام من زيارة سابقة لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، الأمر الذي يعكس قلقا داخل دول منطقة اليورو إزاء الوضع التونسي التي تحوّل ملفها الاقتصادي إلى شأن دولي.
ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي توصلت سلطات تونس إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي يقضي بمنح تونس قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار مقسطا على 4 سنوات مقابل خطة إصلاح تفرض على السلطات رفع الدعم عن المواد الأساسية وتخفيض كتلة الرواتب، غير أن المفاوضات مع مؤسسة التمويل الدولية تعثرت منذ ذلك الوقت بسبب رفض الرئيس سعيد تنفيذ إصلاح يضر بالطبقات الضعيفة والمتوسطة.
ويطالب سعيد بحلول تونسية – تونسية وتعويل على الإمكانات الذاتية للبلاد من أجل الخروج من دائرة الضيق المالي. كما يرفض اتفاقاً مع الصندوق تكون كلفته الاجتماعية عالية بسبب شروط خطة الإصلاح القاسية وسياسات التقشف ومطالبة السلطات بإلغاء الدعم عن مواد أساسية.
ويرى الخبير الاقتصادي والعضو السابق لمجلس إدارة البنك المركزي التونسي فتحي زهير النوري، أن الإصرار الأوروبي على مساعدة تونس بهدف الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد وعدم السقوط في مخاطر التخلف عن سداد الديون مرده خوف الدول الأوروبية على مصالحها الاقتصادية.
وقال النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" "تعكس الزيارات المتتالية لمسؤولين أوروبيين إلى تونس قلقهم إزاء الوضع المحلي والخوف من أن الأزمة الاقتصادية قد تؤدي إلى زيادة في معدلات الهجرة عبر المتوسط.
وأكّد المتحدّث أن 11 بالمائة من الطاقة الإيطالية الواصلة من الجزائر تمّر عبر أنبوب الغاز العابر للتراب التونسي ما يجعل أمن البلاد واستقرارها مهما جدا بالنسبة للمسؤولين الأوروبيين ويفسر حرصهم على دعم ملفّ تونس لدى مجلس إدارة صندوق النقد الدولي.
وأشار في سياق متصل إلى أن 60 بالمائة من الدين الخارجي التونسي بالعملة الأوروبية الموحدة وهو ما يفسّر حرص أوروبا على إبعاد شبح تخلف البلاد عن سداد ديونها، وفق قوله.
ويقدر الدين الخارجي التونسي وفق أحدث بيانات لوزارة المالية بـ117 مليار دينار وذلك إلى نهاية فبراير/ شباط الماضي بزيادة بنحو 10 بالمائة مقارنة بذات الفترة من عام 2022 من بينها 56.7 بالمائة ديون خارجية.
وشدد العضو السابق لمجلس إدارة البنك المركزي التونسي على أهمية اجتماع سلطات بلاده مع صندوق النقد الدولي.
وتتقارب الحلول التي يعرضها الخبير الاقتصادي فتحي زهير النوري، مع ما صرّح به وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، أول من أمس لصحيفة "لاريبوليكا" وذلك قبل سفره إلى الولايات المتحدة الأميركية للقاء رئيسة صندوق النقد الدولي كريستينا غورغيفا.
وقال وزير الخارجية الإيطالي إنه "يتفهم أنه من الصعب على الحكومة التونسية قبول مطلب رفع الدعم عن الخبز خشية أن يتفاقم الفقر".
وأعرب الوزير الإيطالي عن أمله في "أن يدرك صندوق النقد أن هناك حاجة إلى دعم براغماتي وليس أيديولوجياً لهذه المسألة، وأن ينطلق في صرف التمويل مقابل إطلاق برنامج الإصلاحات أي ضمان تمويل على أقساط".
في المقابل يرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي أن سلطات تونس مطالبة بإعادة النظر في طريقة إدارتها للحوار مع الصندوق وتقديم إثباتاتها حول تداعيات تنفيذ خطة إصلاح تقشفية على السلم الاجتماعية والوضع المعيشي للمواطنين.
وأفاد الشكندالي في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن تخلف البلاد عن سداد ديونها غير مطروح بحدة هذا العام رغم تواصل غياب التمويلات الخارجية، غير أنه قد يكون أكثر حدة في عام 2024 بحسب تأكيده.
وشدد المتحدث على أهمية تعويل تونس على مقدراتها الذاتية من أجل توفير مداخيل بالعملة الصعبة عبر تحفيز إنتاج الفوسفات وتقديم تسهيلات للتونسيين بالخارج من أجل تشجيعهم على زيادة تحويلاتهم نحو بلادهم.
كشفت بيانات حديثة للبنك المركزي التونسي أن احتياطيات النقد الأجنبي لدى تونس انخفضت إلى 21 مليار دينار أي نحو 6.78 مليارات دولار وهو ما يكفي لتغطية الواردات لمدة 91 يوما فحسب مقارنة مع 123 يوما في الفترة نفسها قبل عام.
ومن أجل ذلك خفضت الجمعة وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني تصنيف تونس بسبب تأخيرات في المفاوضات للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.