أوقات صعبة في انتظار الاقتصاد السوري ... ماذا بعد سقوط الأسد؟

10 ديسمبر 2024
هل تعود الحياة للاقتصاد السوري بعد إطاحة بشار الأسد/ اللاذقية/ 10ديسمبر2024(Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد الاقتصاد السوري تدهورًا حادًا بسبب الحرب الأهلية والعقوبات، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير، مما أدى إلى تضخم مفرط وفقر لأكثر من نصف السكان.
- تعرضت قطاعات النفط والغاز والزراعة لضربات قوية، مع انخفاض إنتاج النفط بشكل كبير وفقدان السيطرة على الحقول النفطية، مما زاد من تعقيد الوضع الاقتصادي.
- سقوط نظام الأسد سيؤثر على العلاقات الإقليمية، مع استعداد الولايات المتحدة للمساعدة في الانتقال السياسي، لكن العقوبات تظل عائقًا أمام إعادة الإعمار.

شهد الاقتصاد السوري انهيارًا حادًّا بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية والعقوبات الدولية والفساد المستشري. ومع سقوط نظام بشار الأسد، يبرز السؤال الأهم: ما هو مستقبل الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الأسد؟ ورغم أن الطريق يبدو طويلًا وشاقًّا، إلا أن فرصة بناء اقتصاد جديد قائم على أسس العدالة والتنمية المستدامة ما زالت قائمة، إذا ما تضافرت الجهود المحلية والدولية لتحقيق ذلك.

وأشار تقرير حديث نشرته وكالة DW الألمانية إلى أن حجم الاقتصاد السوري بلغ حوالي 67.5 مليار دولار (63.9 مليار يورو) في عام 2011، وهو العام الذي اندلعت فيه الاحتجاجات الواسعة ضد نظام بشار الأسد، والتي تطورت لاحقًا إلى تمرد مسلح وحرب أهلية شاملة. في ذلك الوقت، احتلت سورية المرتبة 68 بين 196 دولة في تصنيفات الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بمستوى مماثل لدول مثل باراغواي وسلوفينيا.

وبحلول العام الماضي، تراجع الاقتصاد السوري إلى المرتبة 129 عالميًّا، بعد أن انكمش بنسبة 85% ليصل إلى حوالي 9 مليارات دولار فقط، وفقًا لتقديرات البنك الدولي. وبهذا التصنيف، أصبحت سورية في مستوى مشابه لدول مثل تشاد والأراضي الفلسطينية.

تراجع الاقتصاد السوري إلى المرتبة 129 عالميًّا، بعد أن انكمش بنسبة 85% ليصل إلى حوالي 9 مليارات دولار فقط

وتركت الحرب المستمرة منذ قرابة 14 عامًا، إلى جانب العقوبات الدولية والنزوح الجماعي لنحو 4.82 ملايين شخص، يمثلون أكثر من خمس سكان البلاد، آثارًا كارثية على ما كان بالفعل واحدًا من أفقر اقتصادات الشرق الأوسط. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، هناك أيضًا حوالي 7 ملايين سوري، أي أكثر من 30% من السكان، لا يزالون مشردين داخل البلاد حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ودمر النزاع البنية التحتية للبلاد، مسبّبًا أضرارًا طويلة الأمد لأنظمة الكهرباء والنقل والرعاية الصحية، حيث تعرضت مدن كبرى مثل الرقة وحمص لتدمير واسع النطاق، كما أدت الحرب إلى انخفاض حاد في قيمة الليرة السورية، مما سبّب انهيارًا كبيرًا للقوة الشرائية للسكان. والعام الماضي، شهدت سورية تضخمًا مفرطًا، حيث تضاعف مؤشر أسعار المستهلكين مقارنة بالعام السابق، وفقًا لتقرير صادر عن المركز السوري لأبحاث السياسات (SCPR)، ويعيش الآن أكثر من نصف السكان في فقر مدقع، غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.

ووفقًا لتقارير رويترز، فإن العملة السورية (الليرة) شهدت انخفاضًا غير مسبوق منذ بدء الحرب في 2011، حيث كانت قيمتها حوالي 47 ليرة مقابل الدولار حينها، لكنها تجاوزت حاجز 7000 ليرة بحلول نهاية عام 2023، ثم 15000 ليرة لكل دولار عشية إطاحة بشار. وتعرض قطاع النفط والغاز، الذي كان يمثل شريان الحياة للاقتصاد السوري قبل الحرب، لضربات موجعة، وحدث الأمر نفسه مع قطاع الزراعة.

وفي عام 2010، كانت صادرات النفط تشكل حوالي ربع إيرادات الحكومة، فيما ساهم الإنتاج الزراعي بنسبة مماثلة في الناتج المحلي الإجمالي، ولكن النظام فقد السيطرة على معظم حقوله النفطية لصالح جماعات متمردة، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ثم لاحقًا القوات الكردية. وفي الوقت ذاته، أدت العقوبات الدولية إلى تقييد قدرة الحكومة على تصدير النفط والحبوب والقطن. وذكرت "وول ستريت جورنال" أن إنتاج النفط انخفض من 383 ألف برميل يوميًّا في 2011 إلى أقل من 40 ألف برميل يوميًّا في 2023، كما زادت السيطرة على أهم الحقول النفطية في شرق سورية من قبل قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة من تعقيد الوضع الاقتصادي في البلاد.

وتقول DW إن إعادة بناء الاقتصاد السوري تتطلب جهودًا هائلة لإصلاح المدن المدمرة وإعادة تأهيل البنية التحتية وقطاعات النفط والزراعة، مشيرة إلى أن ذلك يتطلب وضوحًا حول الإدارة الجديدة التي ستتولى الحكم في سورية. وحذر بعض المحللين من أن الأمر قد يستغرق نحو عشر سنوات للعودة إلى مستوى الناتج المحلي الإجمالي لعام 2011، وربما عقدين لإعادة الإعمار بشكل كامل. وأكد هؤلاء أنه في ظل غياب الاستقرار السياسي، قد تتدهور الأوضاع أكثر.

تقدّر تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة بأكثر من 250 مليار دولار، وهو رقم يفوق قدرات سورية الحالية بمراحل

وتقدّر تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة بأكثر من 250 مليار دولار، وهو رقم يفوق قدرات سورية الحالية بمراحل. ووفقًا لتقرير نشرته رويترز، فقد تعرض حوالي ثلث المساكن ونصف المنشآت الصحية والتعليمية للتدمير الكامل أو الجزئي، مما يجعل الحاجة إلى تدخل دولي أمرًا لا مفر منه.

من ناحية أخرى، تظل العقوبات الدولية المفروضة على سورية عائقًا رئيسيًّا أمام أي جهود لإعادة الإعمار، حيث تخشى دول غربية وعربية من استبدال نظام بشار الأسد بحكومة إسلامية متشددة في حال سيطرة هيئة تحرير الشام (HTS)، والتي ما زالت تصنف منظمة إرهابية، رغم إعلان واشنطن انفتاحها على حذفها من قائمة الإرهاب. وفي الأثناء، دعا بعض المراقبين إلى تخفيف العقوبات عن سورية، لكن العملية قد تستغرق أسابيع أو أشهراً.

ومع سقوط نظام الأسد، ستتأثر علاقات سورية الإقليمية بشكل كبير. وأشارت وول ستريت جورنال إلى أن إيران، الحليف الأبرز للنظام السوري، ستخسر أحد أهم أركان "محور المقاومة"، مما سيضعف نفوذها في المنطقة. وقد يؤدي هذا الأمر إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية ويؤثر على الاستثمارات المستقبلية.

من جهته، صرح الرئيس الأميركي جو بايدن، المنتهية ولايته خلال سبعين يوماً، بأن سورية تواجه "مرحلة من المخاطر وعدم اليقين"، وأكد أن الولايات المتحدة ستساعد حيثما تستطيع، مشيرًا إلى ضرورة العمل مع جميع الأطراف السورية، بما في ذلك من خلال عملية تقودها الأمم المتحدة، لإرساء انتقال سياسي نحو سورية مستقلة ذات دستور جديد.

المساهمون