استمع إلى الملخص
- **التحديات الاقتصادية والسياسية:** اقترضت إثيوبيا مبالغ ضخمة لمشروعات بنية تحتية، وتفاقم الوضع بسبب الحرب الأهلية في تيغراي والنزاعات الإقليمية والجفاف، مما أدى إلى تخلفها عن سداد مدفوعات سنداتها.
- **الإصلاحات الاقتصادية والتحديات المستقبلية:** رئيس الوزراء أبي أحمد فتح الاقتصاد أمام رأس المال الأجنبي، لكن التوترات العرقية والحرب الأهلية عرقلت الإصلاحات، رغم التوصل إلى اتفاق سلام في 2022.
على مدار نصف قرن مضى، فرضت إثيوبيا سيطرتها الصارمة على سوق صرف عملتها الوطنية البير، قبل أن تتغير الأوضاع في يوليو/تموز الماضي، حيث أُجبرت الحكومة على تحرير سعر الصرف بسبب الديون المتفاقمة واحتياطيات النقد الأجنبي المتراجعة، في خطوة مشابهة لما حدث في مصر ونيجيريا. وسمحت الخطوة لأديس أبابا بالحصول على 3.4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، و16.6 مليار دولار إضافية من البنك الدولي، كما أفسحت المجال لمحادثات مع الدائنين لإعادة هيكلة ما لا يقل عن نصف ديونها الخارجية، والبالغ إجماليها 28.9 مليار دولار.
واقترضت إثيوبيا خلال العقد الأخير مبالغ ضخمة لتمويل مشروعات بنية تحتية طموحة، استهدفت من خلالها تعزيز النمو الاقتصادي، إلا أن تلك الاستثمارات استنزفت مواردها المالية، بعد تفاقم الإنفاق العام والتعرض للعديد من الصدمات خلال وبعد جائحة كوفيد 19، بينما أتت الحرب الأهلية، التي استمرت لمدة عامين في منطقة تيغراي بشمال البلاد، والنزاعات الإقليمية، والجفاف الممتد والفيضانات، على ما تبقى من خيرات البلاد. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، تخلفت إثيوبيا عن سداد مدفوعات سنداتها، بعد أن وصلت الديون الثقيلة ونقص العملة الأجنبية إلى الذروة.
والشهر الماضي، ومع وجود احتياطيات أجنبية تكفي بالكاد لتغطية أسبوعين من الواردات، قالت "بلومبيرغ" إن إثيوبيا اضطرت لاتخاذ تدابير صارمة، بما في ذلك تحرير سعر صرف البير، للحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، ما سمح لها ببدء مفاوضات إعادة هيكلة لديونها ضمن برنامج "الإطار المشترك"، الذي أُنشئ خلال فترة الجائحة لمساعدة الدول الفقيرة على إعادة هيكلة ديونها. وأعادت إثيوبيا صياغة سياستها النقدية، معتمدة على أسعار الفائدة، بدلاً من فرض قيود على الائتمان الخاص، في محاولة للحد من التضخم.
وسمح البنك المركزي في إثيوبيا بتراجع البير أمام الدولار بصورة واضحة، بينما شدد الرقابة على مشتريات العملات الأجنبية، وفرض عليها الكثير من القيود، الأمر الذي تسبب في ظهور ونمو سوق موازية نشطة للعملات، أشارت التقديرات إلى أن حوالي 80% من تداولات العملات الأجنبية كانت تتم فيها، على سعر للدولار الأميركي يتجاوز ضعف سعره في السوق الرسمية. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت العملات الأجنبية أكثر ندرة مع تجاوز الواردات للصادرات، وتراجع تدفق المساعدات الدولية بعد اندلاع الحرب في تيغراي في عام 2020. وفي عام 2022، فرضت الحكومة قيوداً على استيراد 38 سلعة، بما في ذلك العطور والشوكولاتة والعصير، في محاولة للحد من الطلب على العملة الأجنبية، ونزوح رؤوس الأموال إلى الخارج.
وأُغلقت أسواق السندات الدولية في وجه حكومة إثيوبيا عقب التخلف عن السداد في ديسمبر/كانون الأول، فقررت الحكومة تعويم العملة، سعياً لتقليص الفجوة بين الأسعار الرسمية وأسعار السوق الموازية، لينخفض السعر الرسمي للبير بنسبة 30% مقابل الدولار في 29 يوليو/تموز، ما أتاح لأديس أبابا الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي والدخول في محادثات إعادة الهيكلة. وسمحت إثيوبيا أيضاً للبنوك التجارية بتحديد أسعار الصرف وفقاً للعرض والطلب، وسمحت لكيانات غير مصرفية بتشغيل مكاتب صرف العملات لأول مرة، وأزالت معظم القيود على الاستيراد. وبعد أيام قليلة، أبدى رئيس الوزراء أبي أحمد عدم رضائه عن التقدم في تقليص الفجوة بين أسعار الصرف الرسمية والموازية، موجهاً انتقاداً للبنوك لرفعها قيمة البير. وتدخل البنك الوطني الإثيوبي في السوق في 7 أغسطس/آب، من خلال بيع الدولارات للبنوك التجارية بأسعار قريبة من السوق الموازية.
ولعقود، تمسكت إثيوبيا بفكرة أن التنمية يجب أن تقودها الدولة، فتجنبت الخصخصة، وحمت المؤسسات المالية وشركات الاتصالات من المنافسة الأجنبية، وسعت لتوجيه المدخرات الخاصة نحو مشاريع التنمية. لكن أبي أحمد غير مسار الدولة بعد توليه منصبه في 2018، فرحب برأس المال الأجنبي للحفاظ على جاذبية إثيوبيا للاستثمار الأجنبي، وكانت وقتها تتمتع بواحد من أسرع معدلات نمو الاقتصاد في العالم. وألغى أبي أحمد الحظر على المعارضة والجماعات المتمردة، وتخلص من المسؤولين الذين يُعتقد أنهم فاسدون، وأنهى عقدين من العداء مع إريتريا المجاورة، في مبادرة حصل من خلالها على جائزة نوبل للسلام لعام 2019.
لكن رئيس الوزراء الشاب واجه صعوبات في احتواء التوترات العرقية، فيما أدت محاولاته لتهميش جبهة تحرير شعب تيغراي، التي كانت في يوم من الأيام القوة الأساسية في البلاد، إلى نشوب حرب أهلية. وأدى القتال إلى تعطيل الإصلاحات الاقتصادية، ودفع الحكومة الأميركية إلى فرض عقوبات على إثيوبيا والتراجع عن قرار سابق باستفادة إثيوبيا من الإعفاء من الرسوم الجمركية. وفي حين تم التوصل إلى اتفاق سلام في عام 2022، إلا أن الجهود الرامية إلى إعادة الاقتصاد لمساره الصحيح تعثرت، أولاً بسبب أسوأ حالة جفاف في أربعة عقود، ثم الفيضانات وارتفاع أسعار الحبوب والوقود.
وساهم خفض قيمة البير وتدفق أموال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في استعادة سوق العملات الأجنبية الرسمية لعافيتها، وهو ما يتوقع أن يفتح المجال للحصول على مزيد من التمويلات الخارجية والاستثمارات الأجنبية. وتعمل إثيوبيا حالياً على تخفيف الضغط عن المواطنين في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة، من خلال تقديم مساعدات مالية مباشرة. ومع ذلك، تزيد سوق العملة بوضعها الحالي الضغوط على الاقتصاد، خاصة مع استمرار وجود جيوب من الصراعات في أجزاء من البلاد.
وتقول "بلومبيرغ" إنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إدارة أبي أحمد ستوافق على تقليص دورها في الاقتصاد وتسمح للأجانب بحيازة الممتلكات وشراء حصص في الأصول الوطنية. وفي يونيو/حزيران، علّقت إثيوبيا بيع شركة "إثيو تليكوم Ethio Telecom" المملوكة للدولة للمستثمرين الأجانب، مفضلة إعطاء الأولوية للمستثمرين المحليين الأفراد لشراء حصص قبل إدراجها في بورصة البلاد الجديدة للأوراق المالية.