إسرائيل تحرق حقول لبنان وتقضي على زراعته

18 أكتوبر 2024
متطوعو الدفاع المدني اللبناني يخمدون حريق في زراعات بجنوب لبنان، 26 أكتوبر2023 (فرانس برس)
+ الخط -

يعيش المزارعون في لبنان تحت ضغوط هائلة، آلاف الدونمات من المحاصيل أُحرقت أو تضررت بفعل القصف الإسرائيلي، بينما نزح الكثيرون خوفًا على حياتهم، تاركين وراءهم أشجاراً عمرها عقود. ورغم الصعوبات، يتمسك المزارعون بقرار العودة إلى أرضهم، إيمانا منهم بأن الزراعة رمز للبقاء والصمود، وأن التخلي عن هذا الموسم يعني خسارة أكبر من مجرد محصول.

وتواجه الزراعة اللبنانية أزمة غير مسبوقة بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر، الذي ألحق أضراراً فادحة بالبنى التحتية الزراعية والبيئية، خاصة في مناطق الجنوب والبقاع. وقد زاد الوضع تعقيدًا مع نزوح اليد العاملة السورية، وتوقف عمليات الري بسبب تدمير البنى التحتية.

إلى جانب الخسائر المباشرة، أثر العدوان على حركة الصادرات اللبنانية، التي كانت تلعب دورًا حيويًا في الاقتصاد الوطني، لا سيما في المنتجات الزراعية الشهيرة مثل زيت الزيتون. ومع ذلك، فإن استمرار الحرب سيضع القطاع الزراعي والاقتصاد اللبناني أمام تحديات خطيرة تتطلب حلولًا عاجلة وخططًا بديلة للحفاظ على الأمن الغذائي واستئناف الدورة الاقتصادية بمجرد توقف النزاع.

في هذا السياق، قال عماد ناصر، وهو مزارع من بعلبك، إنه فقد نحو 80% من أراضيه بسبب العدوان الإسرائيلي، وأوضح أن اعتمادهم الأساسي كان على الزراعة، التي تضررت في منتصف الموسم. كما أشار إلى أن معظم اليد العاملة كانت من اللاجئين السوريين، الذين اضطروا إلى مغادرة لبنان بسبب القصف الإسرائيلي المستمر على منطقة البقاع، مما أدى إلى خسارة الموسم الزراعي اليد العاملة.

وأكد ناصر أنه تكبّد خسائر كبيرة في محاصيله، حيث فقد 15 دونمًا (الدونم يعادل ألف متر مربع) من الطماطم و17 دونمًا من الخيار، بالإضافة إلى أضرار أخرى ناتجة من استخدام الفوسفور الأبيض، ما أجبره على الاستدانة لشراء الأدوية والأسمدة، ليصل مجموع خسائره إلى 8000 دولار. وأضاف أن الشركات ستطالب بديونها بعد انتهاء الحرب، محذراً من أن فصل الشتاء سيكون صعباً جداً عليهم، وأشار إلى أن شجرة زيتون عمرها أكثر من 50 سنة احترقت بالكامل.

في المقابل، صرح أبو خالد، وهو مزارع من جنوب لبنان، بأنه على الرغم من العدوان الإسرائيلي المستمر والقصف المتكرر، يصرّ على قطاف موسم الزيتون المتبقي من أراضيه قبل أن تضيع ثمار العام.

وقال أبو خالد "هذه الأرض زرعها أجدادي، ولن أتركها مهما حصل"، وإنه يواصل العمل وسط مخاطر القصف واحتمال تعرضه وتعرض الأرض لقنابل عنقودية غير منفجرة. وأضاف: "حتى لو تضررت الأرض في بعض المناطق بالفوسفور، هناك حقول ما زالت تنتج. لا يمكننا التوقف، هذا هو مصدر رزقنا الوحيد".

وأشار أبو خالد أنه واحد من المزارعين القلة الذين بقوا في الجنوب لإكمال موسمهم، على الرغم من إن العديد من جيرانه نزحوا مع عائلاتهم بعد تلقيهم إنذارات بالإخلاء، بينما خط الليطاني الذي كان يغذي الحقول بالمياه تعرض للتدمير، مما جعل عمليات الري مستحيلة... مؤكدا أنهم فقدوا جزءا كبيرا من الموسم هذا العام، والأشجار التي لم تُحرق بحاجة إلى عناية مكثفة حتى تستعيد عافيتها في السنوات المقبلة.

انقطاع التواصل مع الجنوب

وفي سياق متصل، أفاد مصدر مسؤول في وزارة الزراعة لـ"العربي الجديد" بأن الوزارة كانت تتابع الأوضاع منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بشكل دقيق، إلا أن النزوح الكبير من الجنوب بسبب العدوان الإسرائيلي في 23 سبتمبر/أيلول أعاق إمكانية متابعة الأرقام بشكل صحيح، بسبب انقطاع التواصل مع الجنوب.

وأوضح المصدر أن المدنيين غادروا مناطق القتال بالكامل، بما في ذلك البلديات، فيما يستمر الاحتلال في حرق الأحراج والأراضي الزراعية، واستخدام الفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية المحرمة دوليًا، والتي قد تنفجر لاحقًا أو تسبب حرائق. وأشارت إلى أن حوالي 7000 دونم من الأراضي استُهدفت، منها 6500 دونم احترقت بالكامل، إلى جانب 60 ألف شجرة زيتون.

وأكد أن الوزارة بحاجة إلى فحوصات مخبرية للتربة لتحديد مدى صلاحيتها، خاصة في المناطق التي تعرّضت للقصف بالفوسفور. وأضافت أن الوزارة سجّلت نموًا بنسبة 9% في القطاع الزراعي قبل الحرب، لكن استمرار الحرب يجعل الحفاظ على هذا المستوى أمرًا مستحيلًا.

وأشار إلى أن الأسواق اللبنانية ما زالت تحصل على إمداداتها من الإنتاج المحلي أو من خلال الاستيراد عند الحاجة. أما التصدير فقد تأثر بسبب إغلاق خليج باب المندب من قبل السلطات اليمنية، مما انعكس على حركة التجارة في المنطقة.

وأضاف المصدر أن الأمن الغذائي في لبنان لا يزال تحت السيطرة، مشيرا إلى أن تراجع استهلاك المحروقات خفف من الضغوط، ولكنه أكد وجود خطط بديلة لمواجهة أي حصار قد يفرض على لبنان، في إطار الحفاظ على الأمن القومي.

وفي هذا السياق، أشار إلى أن بلدة ميس الجبل الحدودية، التي تعتمد على الاقتصاد والزراعة، تعرضت لدمار كبير، مما يتطلب إعادة تأهيل المصانع والحقول لتعويض الأضرار وضمان استمرار الدورة الاقتصادية.

في المقابل، صرّح بول أبو راشد، رئيس جمعية الأرض، لـ"العربي الجديد"، أن التراجع الاقتصادي والتحديات خلال جائحة كورونا أثّرا بشكل كبير على الزراعة، لكن التغير المناخي في العام الماضي تسبب في كوارث، مثل فيضانات ليبيا، التي أدت إلى 30 ألف وفاة خلال دقائق، وأكد أن الحروب لها أثر مدمر أكبر من تلك الكوارث.

تقييم تأثير القنابل الإسرائيلية على البيئة والتربة

وأشار أبو راشد إلى أن لبنان يتأثر بشكل مباشر بالحروب، لا سيما في القطاعين الزراعي والبيئي، وبيّن أن لبنان كان قد وصل إلى مستويات متقدمة في الصادرات الزراعية، مثل حصوله على جوائز عالمية في إنتاج زيت الزيتون.

وأضاف أن المونة اللبنانية كانت مطلوبة في الدول العربية، إلا أن هذه الحرب ستؤثر سلبًا على تلك الصادرات. ولفت إلى ضرورة تقييم تأثير القنابل التي تُرمى على البيئة والتربة، لأن هذه السموم ستصل إلى المياه الجوفية مع بداية فصل الشتاء، مما يستدعي فحص المياه المعبأة بدقة، مؤكدا ضرورة وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن استمرار الحرب سيؤدي إلى أضرار اقتصادية كبيرة في لبنان.

من جهته، قال أنطوان الحويك، رئيس جمعية المزارعين، إن الدولة لم تقم بأي خطة لحماية المزارعين المتضررين، خصوصًا في الجنوب، حيث أصبحت البلدات التي تلقت إنذارات بالإخلاء خالية من المزارعين، ما جعلهم غير قادرين على جني محاصيلهم، مثل الزيتون والحمضيات. وأشار إلى أن المشكلة تمتد من صيدا حتى الناقورة.

وأوضح الحويَك أن الوضع في الجنوب كارثي، خاصة بعد تفجير خط الليطاني، الذي أدى إلى توقف عمليات الري. كما أشار إلى أن المزارعين في البقاع، بدءًا من أبلح حتى جديدة الفاكهة، تركوا أراضيهم بسبب القصف وأكد أن الأراضي غير الصالحة للزراعة لا يمكن تقييمها حاليًا، بل يجب انتظار انتهاء الحرب لإجراء فحوصات متخصصة للتربة.

وتابع الحويًك أن حركة التصدير لم تتوقف، سواء بحريًا أو عبر معبر العبودية البري، رغم إغلاق معبر المصنع. وأوضح أن التصدير إلى سورية ما زال مستمرًا، لكن الصعوبة تكمن في تصدير الحمضيات بسبب وقوع مناطق الإنتاج في مناطق منكوبة.

وقال إن جميع المنتجات الزراعية لا تزال متوفرة في الأسواق، إلا أن ضعف الاستهلاك في الأسبوعين الأخيرين ساهم في استقرار الأسعار، مع الإشارة إلى أن التهجير وتوقف بعض الأنشطة والسياحة أثّرا على الأسواق بشكل ملحوظ.

مع استمرار الحرب وتوسع دائرة الدمار، تواجه الزراعة اللبنانية مستقبلًا غامضاً. ويُعتبر النشاط الزراعي صمّام الأمن الغذائي للبلد المثقل بالديون ولأزمات الاقتصادية، والذي تداعى قطاعه المالي، وفقد تنافسيته السياحية، وخسر ميناءه الرئيسي. وتشكل الزراعة حوالي 9% من الناتج المحلي الإجمالي، وما بين 3% إلى 5% من الناتج القومي، و4.1% من إجمالي العمالة في لبنان، وهي مصدر رئيسي للتوظيف والدخل لجزء كبير من السكان في المناطق الريفية، حيث تشير التقديرات إلى أن الزراعة وقطاع الصناعات الغذائية الزراعية يساهمان بما يصل إلى 80% من الاقتصاد المحلي.

وتحظى الزراعة وصيد الأسماك والغابات بأعلى حصة من العمالة غير الرسمية. وساهمت صناعة تجهيز الأغذية بنسبة إضافية قدرها 4%، ليصل إجمالي مساهمة قطاع الزراعة والأغذية في الناتج المحلي الإجمالي إلى 13% في عام 2020، وفق بيانات صادرة عن وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن في يونيو/حزيران الماضي.

المساهمون