تعتبر ألمانيا من أكثر الدول الأوروبية تأثراً بالأزمة الأوكرانية. فقد وصلت احتياطات تخزين الغاز في البلاد إلى مستويات تاريخية منخفضة في 2021 مقارنة بالسنوات السابقة.
وفي حين برزت مطالبات بضرورة التعامل مع الاحتياطات الموجودة بعناية مع بدء موسم الشتاء، انطلقت التحذيرات من أنه إذا استمر السحب من احتياطي الغاز كما هو، فسيكون مستوى التخزين في البلاد منخفضا جدا في فبراير/ شباط الحالي.
هذا الواقع، أبرزه ايضاً العضو المنتدب لمبادرة الطاقة سيباستيان بليشكه، في مقابلة مع صحيفة "هاندلسبلات" الألمانية، نهاية العام الماضي، حين لفت إلى أن مخزون الغاز وصل إلى أقل من 60 في المائة، في حين تقول البيانات حالياً إن المخزون وصل إلى أقل من 42 في المائة في حدّه الأقصى.
يأتي ذلك في ظل تأخير عملية الموافقة على تصاريح تشغيل خط نورد ستريم2 الروسي للغاز من قبل السلطات الألمانية، وبموازاة تصاعد حدة التوتر ما بين روسيا وأوكرانيا.
وتتخوف القطاعات الاقتصادية الألمانية من نقص الغاز المطلوب لتشغيل الشركات الصناعية ومشغلي محطات الطاقة، مع إطلاق مشغليها التحذيرات من زيادة توقف الأعمال بسبب نقص إمدادات الغاز هذا الشتاء.
فشركة "تي أتش إي" المكلفة بالتحقق من سوق الغاز الألماني تحاول تنظيم عمليات إمداد إضافية للغاز عن طريق مناقصة خاصة خلال شهر فبراير الحالي، في حين تتزايد المساعي لإيجاد بدائل عن الغاز الروسي.
ويبرز الاعتماد الألماني على الغاز الطبيعي الروسي بشكل كبير، فوفقاً لمراجعات إحصائيات الطاقة العالمية الصادرة عن شركة بريتش بتروليوم، فإن ألمانيا حصلت على نصف وارداتها من الغاز الطبيعي في العام 2019 من روسيا (51 في المائة)، والموردان الآخران لبرلين هما النرويج بنسبة 27 في المائة وهولندا بما مقداره 21 في المائة، ومع 55.6 مليار متر مكعب تعد ألمانيا أكبر مستورد للغاز داخل الاتحاد الأوروبي من روسيا.
وبينما يشكّل الغاز 26.7 في المائة من إجمالي الطاقة المستهلكة في ألمانيا ويساهم في تدفئة منزل من كل اثنين، أقرّت حكومة المستشار أولاف شولتس بأن أي عقوبات تفرض على روسيا، ستمثّل ضربة أيضا للاقتصاد الألماني.
وحذّر رئيس نقابة التعدين والكيمياء الألمانية مايكل فاسيلياديس من أنه "إذا تخلينا عن الغاز الروسي ونورد ستريم2، لن نغرق في الظلام فوراً، لكن الأمر سيكون مكلفاً، وسيطرح أسئلة لا إجابات عنها بشأن إمدادات الغاز في المستقبل، وسنواجه مشكلة".
ويزداد استهلاك ألمانيا للغاز بالفعل. ففي العام 2021، استخدمت 1.003 مليار كيلوواط ساعة، في زيادة نسبتها 3.9 في المائة عن العام السابق. وتتطلع الحكومة إلى تنويع وارداتها لخفض اعتمادها على روسيا في المستقبل القريب.
وقال مصدر في وزارة الاقتصاد لوكالة "فرانس برس" إن أحد "البدائل" سيتمثّل باستهلاك كامل طاقة محطات الغاز الطبيعي المسال الأوروبية. ولكن من شأن حلّ كهذا يقوم على الاستيراد من الولايات المتحدة أو أستراليا أو قطر، أن يكون مكلفا، بحسب المصدر.
وقد يؤدي ارتفاع الأسعار إلى ازدياد التضخم الذي بلغ مستويات قياسية في ألمانيا ومنطقة اليورو في الأشهر الأخيرة. والأمر لا يتوقف على ألمانيا وحدها، إذ إن الأزمة الأوكرانية تنذر بتصاعد أزمة الطاقة في القارة العجوز.
وتتصاعد التوترات في منطقة شمالي البحر الأسود مع زيادة روسيا أنشطتها العسكرية على الحدود الأوكرانية، والدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، التي زادت أخيرًا من شحنات الأسلحة المرسلة لدعم أوكرانيا.
وتستورد أوروبا من روسيا حوالي 40 في المائة من الغاز الطبيعي الذي تستهلكه، أي ما يعادل 175 مليار متر مكعب.
وتصدّر روسيا غازها إلى القارة بشكل رئيس عبر خط أنابيب يامال - أوروبا، الذي يمر عبر بيلاروسيا وبولندا، وخطوط أنابيب نورد ستريم (تيار الشمال)، الذي يوصل الغاز الروسي إلى منطقة بحر البلطيق عبر أوكرانيا.
ووفقًا لبيانات الشركة الروسية لاستخراج الغاز الطبيعي "غازبروم"، فإن الكمية التقريبية للغاز الطبيعي التي أرسلتها الشركة إلى أوروبا عبر أوكرانيا في العام الماضي كانت حوالي 42 مليار متر مكعب.
ويحاول الاتحاد الأوروبي وضع خطط طوارئ ضد روسيا، ما يقلص من حجم الغاز المتدفق إلى القارة الأوروبية أو قد يوقفه تمامًا.