استمع إلى الملخص
- تأثرت القدرة الشرائية للمواطنين بسبب الانهيار المالي، مما أثر على الطلب على العقارات، رغم دور المغتربين في إعادة الإعمار، إلا أن الوضع الأمني والسياسي يعيق ازدهار القطاع.
- يعاني القطاع المصرفي من انهيار أثر على دعم العقارات، مع غياب الإصلاحات السياسية والمصرفية، لكن هناك أمل في تنشيط القطاع عبر الإصلاحات وانتخاب رئيس جديد.
عمقت الأضرار التي خلفها العدوان الإسرائيلي على لبنان تصدعات السوق العقارية في الدولة التي تعاني منذ سنوات من انهيار مالي ألقى بظلاله على القطاع العقاري، بينما كان لعقود طويلة من القطاعات الحيوية التي لعبت دوراً مهماً في الاقتصاد.
وشهد القطاع العقاري تغيرات جذرية في السنوات الأخيرة نتيجة للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالبلاد، ليأتي عام 2024 فيمر القطاع بأسوأ فتراته في تاريخه الحديث، خاصة بعد الحرب بين إسرائيل وحزب الله، ما أثر بشكل كبير على استقراره وأدى إلى تراجع ملحوظ في نشاطه، حيث تراجعت المبيعات، حتى مشاريع البناء الكبيرة التي كانت قائمة في السنوات السابقة توقفت أو تأخرت بسبب التحديات المالية وغياب الثقة بالسوق، وأصبح المستثمرون حذرين بشكل كبير نتيجة التقلبات وارتفاع تكاليف البناء بشكل مضاعف بسبب تضخم الأسعار.
عادل، الموظف في أحد البنوك اللبنانية، كان يحلم دائماً بتملك منزل خاص به في بيروت، لكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار العقارات بشكل غير مسبوق والحرب الأخيرة، أصبح حلمه بعيد المنال، وفق حديثه مع "العربي الجديد".
وقبل الحرب، كانت غالبية اللبنانيين تعاني من تداعيات الانهيار الاقتصادي والمالي الذي أفقد الليرة أكثر من 90% من قيمتها مقابل الدولار الأميركي. هذا التدهور أدى إلى ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، ما أثر بشكل مباشر على الطلب على العقارات سواء السكنية أو التجارية.
وأشار الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى تغير خريطة الشراء وإن كان الطلب لم يرتفع عموماً رغم وقف الحرب بين إسرائيل وحزب الله، موضحاً أن بعض المناطق تشهد طلباً أكبر من مناطق أخرى، مثل المناطق المحايدة عن الصراعات مثل جبل لبنان وضواحي بيروت بعيداً عن الضاحية الجنوبية. وأضاف أنه لا يمكن إغفال دور المغتربين الذين كانوا يحركون القطاع العقاري مؤخراً.
وأضاف سليمان أن المغتربين اليوم يهتمون بإصلاح ما دمرته الحرب من منازل ومؤسسات، خاصة أن هناك عدداً منهم يعيدون إعمار بلداتهم، خصوصاً في المناطق الجنوبية التي تعرضت للدمار. كما أكد أنه لا يوجد شيء واضح بشأن الوضع الأمني، إذ لا يزال لبنان ضمن مهلة الـ60 يوماً لوقف إطلاق النار، والوضع السياسي غير المستقر لم يسهم في ازدهار القطاع العقاري.
وفي ما يتعلق بالمصارف، قال أبو سليمان إنها لا تمارس دورها في ضخ السيولة المالية في القطاع العقاري عبر منح القروض، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي مر بها لبنان منذ عام 2019. وأشار إلى أنه لا يمكن الحديث عن ارتفاع في أسعار الشقق والوحدات السكنية في الوقت الراهن، لأن القروض السكنية التي كان سيقدمها مصرف الإسكان توقفت بسبب الحرب الأخيرة.
ولفت إلى أن الحرب كانت حالة طارئة تسببت في خسائر لم تكن في الحسبان، فاقت قيمتها ثمانية مليارات دولار، والخسائر الأكبر كانت في الوحدات السكنية التي تضررت إما بشكل كلي أو جزئي. وبالتالي، فإن المساعدة من الدولة يجب أن تكون موجهة لإعادة بناء أو ترميم الوحدات السكنية أكثر قبل منح القروض عبر مصرف الإسكان. وأكد أن القطاع العقاري لا يرتفع إلا في ظل استقرار أمني وسياسي، وهو ما نفتقده حالياً، وفي حال ارتفع الطلب، فسترتفع الأسعار حتماً، ولكنه توقع ألا يتجاوز الارتفاع في الأسعار 10%.
بدوره، قال دانيال (شاب في الثلاثينات من عمره) إنه كان يخطط لشراء شقة في جبل لبنان، بعد سنوات من العمل في مجال الهندسة، حيث كان قد وفر جزءاً جيداً من المبلغ اللازم، وكان يتوقع أن يتمكن من الحصول على قرض سكني يساعده في إتمام شراء المنزل. لكن مع الوضع الاقتصادي المتدهور، وجد أن البنوك لم تعد تقدم القروض السكنية بالطرق القديمة، وقال: "القروض السكنية التي قد يصرفها مصرف الإسكان أصبحت لا تناسب قدرتي على السداد، لأن المصرف سيقدم 60 ألف دولار ما يرتب فائدة شهرية 400 دولار، حتى إنني طلبت استشارة من بعض البنوك، وأخبروني أن الأقساط الشهرية التي سأدفعها ستكون أعلى من راتبي الشهري!". لذا، اضطر دانيال إلى تعليق خطط شراء المنزل، ويشعر باليأس من أي فرصة في المستقبل القريب.
وكان القطاع المصرفي اللبناني من العوامل الأساسية التي دعمت نمو القطاع العقاري عدة عقود، خاصة من خلال القروض السكنية المدعومة. ولكن مع انهيار القطاع المصرفي وعدم وجود سياسات دعم فعّالة، أصبح من الصعب على المواطنين الحصول على تمويل لشراء أو بناء العقارات، كما أن العديد من الشركات العقارية التي كانت تعتمد على القروض، تعرضت للإفلاس أوالعجز عن إتمام مشاريعها بسبب تعثر التمويل.
ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في تدهور القطاع العقاري في لبنان، فقدان الثقة بالمستقبل، لأن الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، والفراغ السياسي المستمر، بالإضافة إلى الضبابية حول إمكانية تحقيق استقرار اقتصادي، تجعل المواطنين والمستثمرين في حالة من القلق وعدم اليقين.
وقال نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين وليد موسى، لـ"العربي الجديد"، إن عام 2024 كان سيئاً جداً بالنسبة للقطاع العقاري، قبل بداية الحرب الأخيرة مع إسرائيل، وذلك لعدة أسباب. أولها عدم الاستقرار السياسي والأمني، بالإضافة إلى الأوضاع شبه الحربية التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، هذا أدى إلى خوف المستثمرين وبالتالي إلى تراجع في عمليات الشراء. كما أن عدم وجود قروض مصرفية، وعدم انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، وإعادة هيكلة المصارف بهدف تقديم قروض سكنية، كل هذا كان له دور كبير في تباطؤ القطاع العقاري.
وأضاف موسى أنه إذا نفذت الدولة اللبنانية الإصلاحات المالية والمصرفية، وانتُخب رئيس للجمهورية وشُكّلت حكومة، وبدأ النشاط الاقتصادي المنتظم، فإن هذا سيؤدي إلى تنشيط القطاع العقاري، وهناك عدد كبير من المستثمرين الذين يرغبون في الاستثمار في القطاع السياحي، وهذا سيكون له تأثير إيجابي في نهوض القطاع العقاري.
وعن رأيه في الأحداث السورية، قال موسى إن الوضع هناك ينعكس إيجاباً على لبنان من الناحيتين الاقتصادية والعقارية. وقد نرى العديد من الشركات قد تستثمر في لبنان وتستقر فيها لإعادة إعمار سورية، كما قد نشهد أن الشباب اللبنانيين سيساهمون في تحريك القطاعين العقاري والتجاري من خلال عملهم في سورية.