انعكست الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة سريعاً على سوق الدواء في سورية، وسط توجه الموردين للتخزين وتراجع بعضهم عن الاستيراد لعدم المجازفة بممتلكاته الدولارية في ظل ظروف عدم اليقين التي تحيط بالمنطقة.
وتخيم الضبابية على المشهد في سورية، رغم التوقعات بعدم زج نظام بشار الأسد نفسه في المعارك، رغم القصف المستمر على سورية وخروج أكبر مطارين (دمشق وحلب) عن الخدمة جراء الغارات الإسرائيلية خلال الأيام الماضية.
" لم نشارك في الحرب ولم يتغيّر الحصار، بل إن سعر الصرف لم يتغيّر، ومع ذلك، الأسعار ترتفع والدواء ينفد من الصيدليات".. هكذا تقول سهام نعمة من العاصمة السورية دمشق، مؤكدة في تصريحات لـ"العربي الجديد" تراجع عرض الأدوية بالصيدليات بشكل عام ونفاد أدوية الأمراض المزمنة والخطرة، كالسكري والضغط والقلب والكلى.
تشير سهام التي تعمل مدرسة إلى أن شح الأدوية ينذر بغلاء الأسعار، كما جرت العادة بالنسبة للمحروقات (المنتجات البترولية) والسلع الاستهلاكية، مضيفة :لم يعد السوريون قادرين بالأساس على شراء أدوية الزكام والصداع، بواقع أجورهم وارتفاع تكاليف المعيشة".
وتقول :" ليبقوا لنا الخبز والدواء وحليب الأطفال خارج التجارة واستغلال الظروف"، مشيرة إلى أن حصر حكومة بشار الأسد الاستيراد في بعض "شركائه والمقربين" وانفلات الأسواق في ظل غياب الرقابة الحكومية، يزيدان من تجار الأزمات. وتؤكد أن "الدواء يباع علانية في السوق السوداء ولا تلتزم الصيدليات بالتسعيرة".
في المقابل، يرى تاجر الأدوية أحمد الصمودي أن للحرب "دورا وأثرا غير مباشر على ارتفاع الأسعار بشكل عام، وأسعار الأدوية على وجه التحديد، لأن معظم المواد الدوائية الفعالة مستوردة"، مشيراً خلال اتصال من دمشق مع "العربي الجديد" إلى أن مخاوف الحرب دفعت الكثير من التجار، وحتى أصحاب معامل الأدوية، لمراجعة حساباتهم.
ويلفت الصمودي إلى أن السوق تعاني بالأساس من تراجع عدد معامل الأدوية من نحو 100 منشأة بين كبيرة وصغيرة إلى اقل من 34 منشأة تنتج اليوم بكميات وأنواع قليلة.
ويضيف أن "وضع السوريين في الحضيض وهذا نراه ونعرفه، ولكن لا أحد يعمل بخسائر، والتكاليف على المنشآت تتزايد، من أسعار طاقة وأجور عمال ونقل، والأهم، المواد المستوردة من دون دعم حقيقي من الحكومة".
ويتوقع "إغلاق منشآت جديدة وشح أكثر بالدواء، إن لم يتم رفع الأسعار وبنسبة كبيرة"، لافتا إلى أن "زيادة الأسعار التي جرت قبل شهرين بلغت نحو 50%، لكنها لم ترض أصحاب المنشآت ولا التجار".
وكان فرع نقابة الصيادلة في دمشق قد كشف أخيراً عن إعداد قوائم بالأدوية المفقودة، ورفعها إلى وزارة الصحة في حكومة النظام السوري، لدراسة إمكانية زيادة أسعارها.
وبحسب تصريحات أخيرة لمدير النقابة في دمشق حسن ديروان، سيتم رفع أسعار الأدوية المفقودة التي تتضمن عقاقير علاج أمراض مزمنة ومضادات حيوية، لأن زيادة فقدان الأدوية من الصيدليات تزيد من السوق السوداء.
ودعا ديروان، خلال تصريحه لصحيفة "الوطن" القريبة من النظام، إلى ضرورة إعادة دراسة أسعار الأدوية التي تكون كلفتها التصنيعية أعلى من تسعيرتها، حتى تباع بسعرها الحقيقي وتتوفر في الصيدليات، وبالتالي تباع للمريض من دون أعباء إضافية عليه.
وتأتي توقعات رفع أسعار الأدوية في سورية خلال الأيام المقبلة، بحسب مصادر لـ"العربي الجديد"، بعد رفع مديرية الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة بحكومة الأسد، في أغسطس/ آب، أسعار نحو 13503 أصناف بنسبة 50%، مبررة السبب بضرورة توفر الدواء بالأسواق وملاحظة ارتفاع التكاليف بعد زيادة أسعار المشتقات النفطية وارتفاع سعر الصرف وفق نشرة المصرف المركزي.
وتتراوح أسعار الدواء المتوفرة في سورية اليوم بين 4 آلاف ليرة "للمسكنات" و110 آلاف ليرة لأمراض السرطان، فيما قننت المشافي الحكومية في دمشق "المواساة، المجتهد والأسد الجامعي" من منح المرضى الأدوية، حيث كشفت مصادر من العاصمة السورية أن المشافي الحكومية تكتب لذوي المرضى قائمة الأدوية المطلوبة ليحضروها من الصيدليات أو السوق السوداء.
ويقول محمد طيب العلو، أحد رجال الأعمال المتخصصين في صناعة الدواء، إن "مشكلة الدواء وتسعيره مركبة"، موضحا أن هناك زيادة في تكاليف الإنتاج لا ننكر أنها تؤثر على فعالية الدواء، كما أن الشركات تعاني من تراجع الدعم، إذ لم يزل سعر الدولار رغم الرفع ثلاث مرات هذا العام، إلى 4530 ليرة ثم إلى 6350 ليرة والآن إلى 8540 ليرة، يعادل نحو نصف السعر في السوق السوداء، ويضطر المستوردون بشكل عام لجمع الدولار من السوق لإتمام صفقات الاستيراد.
ويكشف العلو لـ"العربي الجديد" أن موزعي الأدوية، خاصة المتعاملين في الأصناف المستوردة، يقننون توزيعها على الصيدليات، بل ويلزمون الصيدلي بما يسمى السلة الدوائية (شراء أصناف محددة)، ما يدفع الصيدليات للعزوف عن الحصول على العديد من الأدوية ويزيد من شح المعروض.