- الارتفاع الحاد في أسعار الذهب عالميًا يؤثر سلبًا على الطلب الموسمي في تونس، مع صعوبة تحمل التكاليف بسبب القدرة الشرائية الضعيفة.
- التضخم وانخفاض قيمة الدينار في تونس يزيدان من تكلفة الذهب المستورد، مع تأثير الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على الطلب والأسعار.
يربك الارتفاع القياسي لأسعار الذهب عالميا مواسم شراء المعدن النفيس في تونس، حيث غالباً ما تشهد فترة ما قبل عيد الفطر إقبالاً على الشراء، حيث تقدم قطع الحلي كهدايا للنساء أثناء الخطوبة في إطار ما يصطلح عليه محلياً بـ"الموسم".
وموسم العيد هو من العادات القديمة التي يستفيد منها تجار المصوغ، إذ غالبا ما تتجاوز تجارتهم في النصف الثاني من شهر الصيام مرحلة الركود التي تعيشها الأسواق في فترات مختلفة من السنة نتيجة الغلاء وارتفاع الأسعار.
وصعدت أسعار الذهب خلال هذه الفترة في أسواق الصاغة التونسية إلى مستويات قياسية بلغت 226 ديناراً (42.5 دولاراً) للغرام الواحد من الذهب عيار 24 قيراطا بزيادة تقدر بنحو 50 ديناراً مقارنة بذات الفترة من العام الماضي.
وتتحرك أسعار المعدن النفيس صعودا في أسواق تونس مدفوعة بالارتفاع القياسي للمعدن النفيس في الأسواق العالمية، وسط توقع الخبراء دخوله دورة صعود جديدة خلال الشهور المقبلة قد تأخذه فوق 2300 دولار للأوقية (الأونصة).
وقال رئيس الغرفة الوطنية لتجار المصوغ حاتم بن يوسف، إن هذه الفترة التي يقبل فيها التونسيون على شراء الذهب للزينة والهدايا تتزامن مع ارتفاع قياسي في الأسعار، ما يتسبب في إرباك حركية السوق ويهبط بالطلب الذي بات موسمياً.
وأكد بن يوسف في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه لم يسبق لسعر الذهب أن وصل إلى هذه المستويات، مشيرا إلى أن القدرة الشرائية الضعيفة للتونسيين تجعل وقع الغلاء مضاعفاً بالنسبة إلى طيف واسع منهم.
وقال: "قبل سنة كان سعر غرام الذهب من عيار 18 قيراطاً يتراوح بين 170 و180 ديناراً، مقابل سعر لا يتعدّى الـ80 دينارا للغرام الواحد قبل 10 سنوات، في حين يتم تداوله حالياً بأكثر من 220 ديناراً.
ووفق بن يوسف: "يعوّل التجار كثيراً على موسم العيد لزيادة الطلب على المعدن النفيس وكسر الركود الذي يسيطر على السوق منذ سنوات، غير أن المخاطر الجيوسياسية التي تغذيها الحرب على غزة والحرب الروسية الأوكرانية لن تسمح بهبوط أسعار الذهب على المدى القريب".
وأكد رئيس الغرفة الوطنية لتجار المصوغ في تونس تراجع معاملات سوق الذهب خلال السنوات العشر الماضية بأكثر من 50% بالأساس نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وأشار إلى أن مواسم شراء الذهب لدى التونسيين ترتبط بالأعياد والأنشطة الزراعية، حيث يتحرك الطلب على الذهب للزينة أو الاكتناز بعد جني المحاصيل من حبوب أو حمضيات أو تمور، إلا أنه حصلت تغيرات كبيرة في علاقة التونسيين بالمعدن الأصفر، حيث تتلاشي عادات التحوّط والادخار عبر اكتناز الذهب.
وتعاني تونس من تأثيرات التضخم الذي تسبب هبوط القدرة الإنفاقية للمواطنين مع دخول البلاد في مرحلة انكماش اقتصادي. وارتفع متوسط معدل التضخم في تونس إلى 9.3% في عام 2023 مقابل 8.3% في 2022 متأثراً بارتفاع أسعار الغذاء، بحسب ما ذكره معهد الإحصاءات الحكومي في تقرير صادر في يناير/كانون الثاني الماضي. لكن البنك المركزي التونسي أشار أخيراً إلى أن متوسط التضخم سينخفض إلى نحو 7.3% خلال العام الحالي 2024.
كذلك سجلت قيمة الدينار التونسي تراجعاً أمام الدولار والعملة الأوروبية الموحدة اليورو، خلال الفترة المتراوحة بين الأول من يناير/كانون الثاني و26 مارس/ آذار، وفق ما أظهرته المؤشرات النقدية والمالية للبنك المركزي.
وتظهر مؤشرات البنك أن قيمة اليورو ناهزت بنهاية الشهر الماضي 3.379 دنانير مقابل 3.326 دنانير في مارس/ آذار 2023. بينما بلغت قيمة الدولار الواحد نحو 3.11 دنانير مقابل 3.091 دنانير خلال ذات الفترة من العام الماضي.
وقال الخبير المالي خالد النوري إن ارتفاع أسعار الذهب في تونس راجع إلى أسباب عدة أبرزها تدني سعر صرف الدينار مقابل الدولار (عملة شراء الذهب) في السنوات الأخيرة، وارتفاع أسعار المواد الأولية التي يتم بموجبها تصنيع الذهب.
وقال النوري لـ"العربي الجديد" إن موجة التضخم العالمي التي لحقت فيروس كورونا وقيام البنك الفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائدة 11 مرة منذ نهاية العام 2021 جعلا المستثمرين يميلون إلى الادخارات الآمنة وأبرزها التحوّط بالذهب.
وأشار إلى أن الهروب من العملات الورقية في فترات التضخم المرتفع يرفع أسعار المعادن، حيث غالبا ما تقفز أسعار الذهب إلى معدلات عالية وتضرب حركة الأسواق ذات القدرة الإنفاقية الضعيفة.
وأكد الخبير المالي أن تأثيرات ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات غير مسبوقة غالباً ما يكون أقل وطأة في البلدان ذات الدخل المرتفع وما يجعل أسواق المصوغ فيها في حركة دائمة على عكس السوق التونسية سريعة التأثر بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية. وشدد على أنه عادة ما تقود الاضطرابات السياسية والحروب إلى زيادة أسعار الذهب، إذ إنه أحد أهم الملاذات الآمنة للمستثمرين والأصول الثابتة.
وخلال السنوات الأخيرة انحسرت عادات اكتناز الذهب الذي كان يشكل واحداً من أهم وسائل الادخار والتحوط الأسري في تونس، وسط غلاء المعيشة وارتفاع سعر المعدن الأصفر.
واكتناز الذهب كأداة ادخار عادة ضاربة في القدم لدى التونسيين، حيث كانت الأسر تتحوط بالمعدن الأصفر الذي يستعمل للزينة ويجري اللجوء إليه في زمن الأزمات لتمويل مشاريع عائلية على غرار اقتناء العقارات السكنية أو الزراعية.