- استجابةً لهذه التحديات، اتخذت الحكومة التركية خطوات لضبط سوق الإيجارات، مثل فرض دفع الإيجار عبر المصارف وتطبيق عقود الإيجار عبر بوابة "إي دولت"، لكن بعض الخبراء يرون أن هذه الإجراءات قد لا تكون كافية.
- رغم تحديد سقف لزيادة الإيجارات بنسبة 25%، يلجأ العديد من الملاك لوسائل غير قانونية، مما زاد النزاعات القانونية وطلبات الوساطة، ويتطلب الوضع إجراءات إضافية لحماية المستأجرين.
ارتفعت قيمة الإيجارات في تركيا بنسبة كبيرة خلال الأعوام القليلة الماضية، حيث يستغل أصحاب العقارات التكاليف المرتفعة التي سيضطر المستأجر لدفعها في حالة الانتقال إلى مسكن آخر. وتقول السورية بتول (27 عاماً)، المستأجرة في حي الفاتح في إسطنبول، إن المالك أخطرها أن "الإيجار سيُرفع من سبعة آلاف إلى 16 ألف ليرة"، مطالباً إياهم بإخلاء المنزل إن كان الأمر لا يناسبهم، محدداً نهاية العام الجاري موعداً نهائياً لدفع الإيجار بقيمته الجديدة أو الإخلاء.
وأضافت السورية المنحدرة من ريف حلب لـ"العربي الجديد" أن "أصحاب المنازل لا يلتزمون بنسبة رفع الإيجار المحددة، لأن الطلب على المنازل كبير، وإن خرجنا من المنزل، فسنتكبد مصاريف كبيرة تتعلق بنقل الممتلكات ودفع تأمين بمقدار ايجار شهر للمنزل الجديد، إضافة إلى ما يعادل إيجار شهر للمكتب الوسيط، لذا، الأرجح سنقبل برفع الإيجار على حسب طلب المالك". وتتكرر حالات استغلال أصحاب العقارات، خاصة في الأحياء المغلقة التي يمنع على السوريين والعرب الاستئجار فيها، كحي الفاتح وأحياء في إسينيورت وباشاك شهير وبيلكدوزو والعمرانية وشيشلي.
ضوابط قانونية
وارتفعت الايجارات في تركيا، خاصة في المدن الكبرى كإسطنبول، بأكثر من 150% خلال عام وأكثر من 300% منذ ما بعد وباء كورونا، الأمر الذي نبّه الحكومة التركية إلى مدى استغلال أصحاب المنازل والعقارات، فلاحقتهم ضريبياً ثم فرضت دفع الإيجار عبر المصارف معلنة عن غرامة لمن يدفع الأجر "كاش". وبهدف ضبط نسب رفع الإيجارات في تركيا والحصول على معلومات كافية حول المستأجر، أعلنت الحكومة التركية قرب تطبيق قرار جديد يقضي بإبرام عقود الإيجار عبر بوابة الدولة الإلكترونية المعروفة باسم إي دولت (e devlet)، في خطوة تهدف إلى مكافحة التهرب الضريبي وتقلبات الأسعار على حد سواء.
وقال وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك، في تصريحات سابقة، إن "التحضيرات متواصلة لبدء خدمة جديدة تتيح للمواطنين إبرام عقود الإيجار عبر بوابة الحكومة الإلكترونية، في خطوة تهدف لتبسيط وتسهيل عملية الإيجار بين المالكين والمستأجرين". وأضاف الوزير أن "تطبيق الخدمة الجديدة سيساعد المواطنين على تجاوز التعقيدات البيروقراطية وتوفير الوقت والجهد، بالإضافة إلى تسهيل الوصول إلى معلومات تتعلق بالقيمة العقارية على مستوى تركيا". ومن المقرر إطلاق الخدمة للمستأجرين وأصحاب العقارات خلال فترة قصيرة، بينما سيتمكن وكلاء العقارات المرخصون من الوصول إلى التطبيق مع نهاية العام الحالي، بحسب مصادر إعلامية تركية.
بدورها، أكدت وزارة الخزانة والمالية أنها أنهت كافة التحضيرات الفنية والتشغيلية لهذه الخدمة، بالتعاون مع وزارة البيئة والتحضر والتغير المناخي والمكتب الرئاسي للتحول الرقمي، لتكون جاهزة عبر مرحلتين، الأولى، سيتمكن المواطنون من إتمام اتفاقيات الإيجار بشكل مباشر عبر بوابة الحكومة الإلكترونية، إذ يقوم المالك بإنشاء العقد ليقوم المستأجر بالموافقة عليه بشكل إلكتروني. أما المرحلة الثانية، فمن المخطط أن تُفعّل نهاية العام لتشمل وكلاء العقارات المرخصين، بحيث يمكنهم إعداد العقود وإرسالها للموافقة من الطرفين عبر النظام الإلكتروني. وتتيح الخدمة للمستفيدين إنشاء "مستندات مشفرة" مختومة بوقت محدد، ما يعزز دقة التوثيق والأمان في عمليات الإيجار.
وتأتي هذه الخطوة المرتقبة من قبل وزارة الخزانة والمالية بالتزامن مع خطوات وإجراءات أخرى كثفتها مؤخرا، وترمي لمكافحة التهرب الضريبي وإلزام أصحاب الشقق والعقارات بدفع ضرائب الإيجار، فضلاً عن أنها تندرج ضمن إطار جهود حكومية لضبط أسعار الإيجار التي وصلت إلى مستويات قياسية خلال السنوات الأخيرة.
أسباب ارتفاع الإيجارات في تركيا
ويرى هاليل أوزون، وهو صاحب شركة لتأجير العقارات في حي الفاتح في إسطنبول، أن " قرار الحكومة إبرام العقود عبر إي دولت من شأنه أن يلغي العقود الكتابية وربما دور السماسرة، ويقدم معلومات كافية وتفصيلية حول المستأجرين، ولكن لا يمكن برأيه أن يضبط ارتفاع الإيجارات في تركيا للمنازل والعقارات، لأن الارتفاع مرتبط بالغلاء الذي طاول كل السلع والمنتجات في تركيا، بالتوازي مع نسبة التضخم المرتفعة وتراجع سعر صرف الليرة".
وأشار صاحب الشركة إلى أن "الايجار يتم بالاتفاق بين المستأجر وصاحب العقار، وتصديق العقود أو ما يسمى نوترة، كما فرضت الحكومة قبل مدة، أو العقود عبر البوابة الإلكترونية، لاحقاً، هي لتوثيق المعلومات وليس لضبط مبالغ الايجار، فالأمر عرض وطلب ويتفق عليه الطرفان ويكتبان بالعقد الرسمي ما يتوافق مع الزيادة الرسمية وهي 25%، لكن الإيجار الحقيقي أكبر ويتم تسليم فارق المبلغ باليد والمبلغ المكتوب عبر المصارف".
وحول الأسباب التي تدفع أصحاب العقارات لمخالفة القوانين، رد أوزون بأن "التضخم وغلاء الأسعار السنوي أكثر من 25% فكيف تحدد الحكومة الزيادة بأقل من التضخم؟"، معتبراً أن "إيجار العقارات في إسطنبول مرتفع جداً خاصة بالنسبة لأصحاب الدخول المحدودة أو الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجور"، مبيناً أن "إيجار غرفة وصالة يبلغ نحو 15 ألف ليرة (نحو 437 دولاراً) وثلاث غرف أكثر من 30 ألف ليرة".
وأكد أنه "لا يمكن لأسرة تعيش على دخل شخص واحد أن تستأجر منزلاً، لذا ترى أكثر من شخص يعملون ضمن الأسرة الواحدة، كما أن المستاجرين الأتراك يؤجرون منازلهم في الولايات التي وفدوا منها كي يستطيعوا دفع الإيجار في إسطنبول". واقترح أوزون أن "تقترب الحكومة خلال تقديرها أسعار الإيجارات من الواقع وتضع الحد الأدنى والأعلى لكل منطقة، ولا تقيس بالنسبة ذاتها التي تعد قليلة أصلاً على جميع الأحياء والولايات والمنازل، لأن ذلك يزيد التجاوزات والعمل بعيداً عن أعين الحكومة وقراراتها"، بحسب صاحب شركة العقارات.
وكشفت دراسة نشرتها جامعة بهتشه شهير التركية في أغسطس/آب الماضي أن الإيجارات في تركيا ارتفعت خلال العام الماضي بنسبة 121%. وفي المدن الكبرى مثل أنقرة وإسطنبول، بلغت نسبة الارتفاع 188%. ولمواجهة الارتفاع القياسي، حددت الحكومة التركية سقفاً لزيادة إيجارات العقارات بـ25%، بما يتماشى مع نسبة التضخم الرسمية للأعمال. ويؤكد خبراء أن هذه الإجراءات لم تؤد إلا إلى زيادة التوترات، ودفعت الكثير من أصحاب العقارات إلى اللجوء إلى وسائل مختلفة، منها غير القانوني، لطرد وإخلاء المستأجرين والعثور على مستأجرين جدد مستعدين لدفع أسعار أعلى. بينما لجأ المستأجرون إلى رفع الدعاوى القضائية أمام المحاكم التي شهدت تزايداً في هذا النوع من الدعاوى.
وفي أحدث تصريح له حول الموضوع، قال وزير العدل يلماز تونج إن عدد الطلبات التي وصلت إلى الوسيط التابع للوزارة والمتخصص بحل نزاعات الإيجار قبل انتقالها إلى القضاء بلغت 129 ألفاً و259 طلباً، مشيراً إلى أنه لن تكون هناك حاجة لتمديد اللائحة التي تحدد معدل زيادة الإيجار بـ25%.
(الدولار = 34.3 ليرة تركية)