شهدت أسعار اللحوم الطازجة ارتفاعاً جنونياً في مصر، تجاوز 25% خلال الساعات الأخيرة من الأسبوع الماضي، بعد زيادتها بنسبة 12% مطلع الأسبوع ذاته، ما قاد أسعار الدواجن والأسماك أيضا إلى الصعود بمعدلات كبيرة، فيما طالب أعضاء في شعبة القصابين بالغرف التجارية، بوقف العمل بمحلات الجزارة لمدة شهر، في محاولة للسيطرة على ارتفاع أسعار توريد الذبائح من مستوردي الأبقار.
فوجئ المستهلكون بالارتفاع الهائل في سعر كيلوغرام اللحم البلدي من 210 جنيهات بمتوسط أسعار البيع بالأسواق الشعبية الأسبوع الماضي إلى 255 جنيهاً (8.6 دولارات) دفعة واحدة. شهدت محلات الجزارة جدلاً واسعاً بين المستهلكين والباعة. في وقت عز فيه البيع وندر الشراء مع تراجع قيمة الدخول إلى مستويات متدنية، وموجات غلاء متتالية أسبوعياً، منذ 11 شهراً.
في جولة لـ"العربي الجديد" في سوق رئيسي وسط حي الدقي بمحافظة الجيزة غرب القاهرة، تصاعدت فجأة صرخات أحد المشترين الذي يقف على أعتاب محل شهير للجزارة معرباً عن ضيقه من رفع الأسعار، ليتدخل المارة لفك الاشتباك قبل أن يتطور إلى عراك بالأيدي.
سألت "العربي الجديد" الجزار، عن حقيقة السعر المعلن، فقال: "نعم اللحم اليوم بـ 255 جنيهاً، ولا تسألوني لماذا زادت، فأنتم تعلمون الأسباب". أشاح الرجل بوجهه عن الناس ودخل محله، وعندما لاحقناه، طلب التوقف عن أي حديث حول السعر، مستدركاً: "الغلاء يحيط بنا فماذا نفعل، والوضع كما ترى... لا بيع ولا شراء فهل تعتقد أننا نفرح مع هذه الاضطرابات اليومية في الأسعار؟!".
تجولت "العربي الجديد" في أسواق وسط القاهرة الشعبية، على مدار يومين، حيث رصدت تطبيق الأسعار الجديدة، في جميع المحلات. رفعت فروع الجزارة بالأسواق التجارية الكبرى أسعار البيع للحوم الطازجة إلى نحو 250 جنيها، وقدمت عروضا مخفضة على أسعار اللحوم المخلوطة للشواء والكفتة، مع زيادة كبيرة في سعر اللحوم القادمة من جنوب أفريقيا، تفوق 400 جنيه للكيلو غرام. كما ارتفعت أسعار الدواجن إلى 160 جنيها للكيلو غرام.
أرستقراطية متراجعة بالقاهرة الخديوية
وعلى جانب شارع عماد الدين وسط القاهرة، تستقر عربة لشركة وطنية التابعة للجيش، لتبيع اللحوم، بينما تجمع مئات المواطنين حولها. فيما تبدو من هيئة الباحثين عن قطعة لحم، أنهم من بسطاء المجتمع من خارج المنطقة التي يقطقن بها بقايا طبقة عليا ومتوسطة، تقيم في عقارات تنتمي إلى أرستقراطية متراجعة بالقاهرة الخديوية. اصطف الناس بأوامر جندي، للحصول على كيلو اللحم السوادني الذي يباع بسعر 155 جنيهاً.
وقال وزير الزراعة، سيد القصير، في بيان صحافي، إنه دفع بعربات تابعة لوزارة الزراعة، لبيع اللحم الطازج بها بسعر 155 جنيها للكيلوغرام، والدجاج البانيه (من دون عظام) بـ 110 جنيهات، أملا في تهدئة الأسواق ومواجهة الطلب المتصاعد.
بدوره، وصف نائب رئيس شعبة القصابين بالغرفة التجارية، هيثم عبد الباسط، الحلول الحكومية لمواجهة الأزمة بـ"العبثية"، قائلا في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الصورة سوداء والوضع قاتم".
ويرى أن أسعار اللحوم ستشهد مزيداً من الارتفاع خلال الأيام المقبلة، وقد تصل إلى 300 جنيه للكيلوغرام قبل شهر شهر رمضان (يحل في الأسبوع الأخير من مارس/آذار)، الذي يمثل ذروة استهلاك المصريين للحوم بكافة أنواعها.
وقال إنّ "العجول البلدية القابلة للذبح اختفت من الأسواق، لأن القائمين على تربيتها تخلصوا منها بالبيع على مدار الأشهر الماضية لعدم قدرتهم على توفير الأعلاف، مع سيطرة كبار المستوردين من أوكرانيا وإسبانيا وفرنسا على الأسواق وفرضهم أسعاراً مرتفعة، بسبب ارتفاع قيمة الدولار، وندرة الواردات".
أزمة غذائية
وأضاف: "على الحكومة أن تتحرك فوراً لتدبير اللحوم من السودان، على أن تتولى وزارة الزراعة إدخالها إلى الأسواق، بعد حجزها لمدة 45 يوماً بمحاجر صحية، وذبحها بالمجازر البلدية، كبديل سريع، لمواجهة أزمة غذائية مرتبطة بالأمن القومي للدولة، وسترفع حتما أسعار لحوم الدواجن والأسماك بنفس المعدلات، التي تتصاعد يومياً".
وأدى تزايد أسعار اللحوم المجمدة المستوردة، إلى زيادة إقبال المصريين على اللحوم السودانية التي تمنع وزارة الزراعة دخولها حية للبلاد، وتتولى الإشراف على ذبحها في موانئ السويس (شرق)، خوفاً من حملها أمراضاً تنقلها بين القطعان المصرية، بينما تسمح بدخول فوري للعجول القادمة من إسبانيا وفرنسا وأوكرانيا لتذبح بمجازر المحافظات.
وأشار تجار إلى وجود تكتلات مريبة بين مستوردين ومسؤولين كبار، تحول دون دخول العجول السودانية رخيصة الثمن وسهلة التوريد للأسواق المحلية.
ويتوقع تاجر ماشية في محافظة المنيا جنوب (القاهرة) زيادة الأسعار أكثر في الفترة المقبلة، مشيرا إلى وجود نقص حاد في المعروض من العجول، يعود إلى عدم قدرة المزارعين على تحمل تكلفة معيشة الحيوانات، وتوقف الدولة عن دعم مشروع الإنتاج الحيواني.
والتزمت الحكومة بتعليمات صندوق النقد الدولي، التي وجهها للبنك المركزي الشهر الماضي، بوقف تمويل مشروعات الإنتاج الزراعي والصناعي من خلال قروض ميسرة منخفضة الفائدة. وبينما أعلنت الحكومة الأسبوع الماضي، عن تسهيلات جديدة لقطاع الصناعة، عبر تمويل من الخزانة العامة للبنوك قيمته 150 مليار جنيه، تجاهلت مبادرات إنقاذ الثروة الحيوانية واستصلاح الأراضي.
ارتفاع تكاليف الأعلاف وندرتها
وتشير دراسة حديثة، أجراها محمد حجازي الباحث في مركز البحوث الزراعية بجامعة القاهرة، إلى أنّ 92% من إجمالي حيازة الأبقار والجواميس البلدية والخليط والأجنبية، تعود إلى أسر بسيطة تربيها على مساحات زراعية على أقل من فدان إلى 4 أفدنة (الفدان يعادل 4200 متر)، بينما 8% لمزارع كبيرة تتخطى 5 أفدنة إلى 1000 فدان. وامتلك المصريون حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، 3.8 ملايين رأس جاموس، يخصص معظمها لتوليد الأجيال وإنتاج الألبان، وفقاً للدراسة.
ويئن المزارعون من ارتفاع تكاليف الأعلاف وندرتها، مع شح في قدرتها على توفير المراعي من الموارد الذاتية، لأراضٍ تفتتت ملكيتها بين الأجيال بعد 70 عاماً، من التأميم للحيازات الكبيرة.