استثمارات الإسرائيليين في الأسهم الأميركية تتضاعف... وتحذير من جفاف سوق تل أبيب

15 أكتوبر 2024
بورصة نيويورك للأوراق المالية، 5 أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -

تتسارع وتيرة نزوح رؤوس الأموال الإسرائيلية نحو الخارج، ولا سيما إلى الأسهم الأميركية، في ظل المخاوف المتزايدة من تداعيات استمرار الحرب على غزة ولبنان، ونذر توسعها إلى حرب مباشرة مع إيران على الاقتصاد الإسرائيلي، ما يفاقم قلق القطاعات المالية في دولة الاحتلال من أضرار هذا النزوح، خاصة أن أموال الإسرائيليين ركيزة أساسية لتعزيز الاقتصاد، على عكس المستثمرين الأجانب الذين يغلب عليهم الدخول والخروج السريع من الأسواق.

تضاعفت استثمارات الإسرائيليين في مؤشر الأسهم الأميركية "ستاندرد آند بورز 500" فقط بأكثر من الضعف منذ اندلاع الحرب، ما دعا محللين ماليين إسرائيليين إلى التحذير من المخاطر التي قد تتعرض لها المدخرات الإسرائيلية، عندما يتم استثمار نسبة كبيرة منها في أداة استثمارية واحدة، فيما أبدى آخرون قلقهم إزاء التأثير على الاقتصاد الإسرائيلي وسوق الأوراق المالية المحلية، التي من المرجح أن تجف مصادر رأس المال فيها.

وجاءت الحرب لتزيد وتيرة اندفاع رؤوس الأموال الإسرائيلية نحو الخارج، والتي بدأت مع الاضطرابات السياسية التي شهدتها دولة الاحتلال في أعقاب ما وصفتها حكومة بنيامين نتنياهو بالإصلاحات القضائية، والتي تضعف سلطة المحكمة العليا في مراجعة القوانين أو إلغائها.

ذكرت صحيفة غلوبس الاقتصادية الإسرائيلية، في تحليل لها، أنه في غضون ثلاث سنوات قفزت نسبة مدخرات الإسرائيليين الطويلة الأجل، المستثمرة في المؤشر الأميركي، من 1% إلى 8% من إجمالي الأصول المالية الطويلة الأجل للأفراد الإسرائيليين، التي تديرها صناديق التقاعد والادخار والتدريب المتقدم، مشيرة إلى أنها وصلت إلى 134 مليار شيكل (35.8 مليار دولار) مقابل 6 مليارات شيكل (1.6 مليار دولار).

بينما كان الاستثمار في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" مقتصراً إلى حد كبير في البداية على العاملين في مجال التكنولوجيا والشباب ذوي الوعي المالي العالي الذين حولوا استثماراتهم ومدخراتهم إلى المؤشر، أصبح ظاهرة محلية. وبحسب تحليل أجرته مؤسسة "إندكس" للأبحاث، ضُخَّت استثمارات جديدة بنحو 75 مليار شيكل (20 مليار دولار) في صناديق المعاشات التقاعدية الإسرائيلية في العام الماضي، ومن هذا المبلغ، تدفق أكثر من النصف بقيمة 41 مليار شيكل (حوالي 11 مليار دولار) إلى صناديق تتبع المؤشر الأميركي، بينما ذهب 37% فقط إلى مسارات الادخار النشطة التي يديرها مديرو المحافظ في المؤسسات المالية الإسرائيلية.

يشير تحليل "غلوبس" إلى أن الزيادة في حجم الأموال الموجهة إلى المؤشر الأميركي تتركز تركُّزاً رئيسياً في صناديق التقاعد، التي تدير ما مجموعه 869 مليار شيكل (232.4 مليار دولار)، إذ يجري حالياً استثمار حوالي 9% من أصول التقاعد هذه بشكل مباشر في المؤشر، مقارنة بنحو 0.5% فقط في أغسطس/آب 2021.

عشية الحرب، في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، بلغت أصول صناديق التقاعد المستثمرة في تتبع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" نحو 4% من الإجمالي، أو 28 مليار شيكل (7.5 مليارات شيكل)، بينما في غضون عام واحد، تضاعف المبلغ ثلاث مرات تقريباً إلى 76 مليار شيكل (20.3 مليار دولار).

وفي صناديق التدريب المتقدم، وهي قناة استثمارية تستفيد (في الوقت الحالي) من الإعفاء من ضريبة مكاسب رأس المال للمدخرين في الأمد المتوسط، يوجد نحو 8% من المدخرات بما يعادل 31 مليار شيكل حالياً في صناديق تتبع المؤشر الأميركي. وفي صناديق الادخار، تضاعف إجمالي المبلغ المستثمر في المؤشر بأكثر من الضعف خلال عام واحد، ليصل إلى 27 مليار شيكل، بنسبة 7% من إجمالي الأصول.

يقول نائب الرئيس التنفيذي ورئيس التداول والمشتقات في بورصة تل أبيب، يانيف باجوت "في منتصف عام 2023، اقتحم الذكاء الاصطناعي حياتنا، مما أعطى دفعة غير متوقعة لأسهم قطاع التكنولوجيا، مما سبّب قفزة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأكمله"، مشيراً إلى أن أسهم الشركات السبع الرائدة آبل، ومايكروسوفت، وغوغل، وأمازون، وإنفيديا، وميتا، وتيسلا، حظيت باهتمام استثماري، وهي مسؤولة عن 55% من إجمالي العائد على المؤشر.. لكن مع الإصلاح القضائي ثم الحرب بدأت المشكلات، حيث خلق ما حدث ظروفاً مثالية لخروج الاستثمارات خروجاً أكبر صوب "ستاندرد آند بورز 500"، وهذا واضح من تراكم الأصول المدارة.

بينما يسعد الإسرائيليون الذين يستثمرون في مؤشر الأسهم الأميركية لتحقيقه مكاسب قياسية هذا العام، فإن الكثيرين غير راضين عن الاندفاع نحو المؤشر الأميركي. فالبعض يحذرون من المخاطر التي قد تتعرض لها المدخرات الإسرائيلية عندما تُستثمَر نسبة كبيرة منها في منتج واحد. ويشعر آخرون بالقلق إزاء التأثير على الاقتصاد الإسرائيلي وسوق الأوراق المالية المحلية، التي من المرجح أن تجف مصادر رأس المال فيها، وفق "غلوبس".

يلفت التحليل إلى أن الخطر الأكبر الذي يهدد الاقتصاد الإسرائيلي، هو الذي يهدد المستثمر الفرد. ويقول مسؤول كبير في إحدى المؤسسات المالية لم تذكر الصحيفة اسمه: "في ما يخصنا بوصفنا اقتصاداً إسرائيلياً متعطشاً للاستثمار في الشركات الإسرائيلية، وفي البنية الأساسية في البلاد وفي الشركات المحلية، بينما هجرة أموال المدخرين بمثابة لعنة حقيقية.. في نهاية المطاف نحن في فترة لا يستثمر فيها المستثمرون الأجانب هنا تقريباً، فهؤلاء ينتظرون إلى أن تتضح الأمور في إسرائيل".

يضيف المسؤول أن "استثمارات المدخرين هي مرساة نمو الاقتصاد.. إذا أرسل المستثمر الإسرائيلي العادي، أو المؤسسة المالية أموالها إلى الخارج، فهذا في لغة كرة القدم هدف ذاتي.. إذا لم نستثمر في أنفسنا، ففي النهاية سيكون هناك أموال أقل لتمويل الاستثمار الذي نحتاج إليه.. عندما تنظر إلى ملف توقعات النمو للاقتصاد، فإن جزءاً منها ينبع من توقع انخفاض الاستثمار في هذا الوقت.. الأموال اللازمة لهذه الاستثمارات لا بد أن تأتي إما من الحكومة وإما من مستثمرين من القطاع الخاص".

يقول: "استمرار تدفق رؤوس الأموال نحو الأسهم الأميركية إلى أن يحدث بيع مكثف في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، مضيفاً أتذكر أن عام 2022، وهو ليس ببعيد، كان عاماً رهيباً (فقد انخفض المؤشر الأميركي بنحو 20%، على سبيل المثال)، وفي وقت أو آخر سوف يأتي عام عنيف آخر".

يحذر محللون في أسواق المال الأميركية من موجة من التقلبات والأداء المتذبذب خلال الفترة المقبلة، لكن تحركات مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" تسير عكس هذه التوقعات حتى الآن. ورغم تزايد التوتر مع اقتراب الانتخابات، يستمر المؤشر في الصعود، محققاً 45 رقماً قياسياً جديداً في 2024، حيث ارتفع بنسبة 21.9% منذ بداية العام. يُعد هذا الارتفاع أفضل أداء يصل إليه المؤشر في هذه الفترة من العام منذ عام 1997، وأفضل أداء على الإطلاق في سنة انتخابية رئاسية.

في مقابل الانتعاش الذي تحظى به سوق المال الأميركية وسط تدفق رؤوس الأموال إليها، تتخلف بورصة تل أبيب عن المسار. وارتفع مؤشر الخوف في إسرائيل إلى ذروته بنسبة 100% بعد اندلاع الحرب، قبل أن يتباطأ إلى 25% أخيراً.

عشية الحرب، كانت تصنيفات إسرائيل هي الأعلى على الإطلاق، حيث جرى تصنيفها من جانب بعض الوكالات من بين الدول العشرين الأفضل والأكثر شهرة عالمياً. ثم اندلعت الحرب، وتراجعت وكالات التصنيف في البداية عن خفض التصنيف، ولكن في فبراير/شباط الماضي، حدث أول تخفيض للتصنيف الائتماني لإسرائيل، إذ خفّضت "موديز" تصنيفها بمستوى واحد، ثم خفّضت التصنيف مجدداً، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، بمستويين آخرين دفعة واحدة إلى "Baa1".

كما خفّضت "ستاندرد آند بورز"، أكبر شركة في العالم، تصنيف إسرائيل درجة واحدة لأول مرة في إبريل/ نيسان من هذا العام، ودرجة أخرى إضافية في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري إلى "A".

وقبل بضعة أسابيع، خفّضت وكالة فيتش أيضاً التصنيف الائتماني لدولة الاحتلال إلى "A". وتشكّل التوقعات السلبية لوكالات التصنيف الائتماني تهديداً بخفض تصنيف إسرائيل مرة أخرى قريباً، إذا اتسعت الحرب أكثر، واستمرت الحكومة في عدم اتخاذ الخطوات اللازمة لخفض عجز الموازنة وتحقيق استقرار الاقتصاد.

المساهمون