استمع إلى الملخص
- **تقرير غالوب العالمي حول مشاركة الموظفين**: أشار تقرير غالوب لعام 2024 إلى ركود عالمي في مشاركة الموظفين، مما يكلف الاقتصاد العالمي 8.9 تريليونات دولار أميركي سنويًا، مع ارتفاع التوتر بنسبة 60% في الشركات ذات الإدارة السيئة.
- **آراء الخبراء حول تحسين بيئة العمل**: أكد الخبراء أن تحسين مهارات المديرين وجودة العمل والأجور يمكن أن يعزز من مشاركة الموظفين، مشيرين إلى أهمية الإدارة الفعّالة والعلاقات الإيجابية بين الموظف والمدير.
كشفت مؤسسة غالوب، وهي شركة تحليلات واستشارات عالمية، في دراسة حديثة أجريت في يونيو/حزيران 2024، أن العمال في المملكة المتحدة يعانون من مستويات منخفضة من التحفيز والمشاركة في العمل، مما يؤدي إلى زيادة ظاهرة "الاستقالة بهدوء". ووفقًا للخبراء، تعود هذه الظاهرة إلى الإرهاق، والإدارة السيئة التي تعزل موظفيها، والافتقار إلى العمل الهادف، بما يؤثر سلبياً على الاقتصاد البريطاني.
وأظهرت الدراسة أن موظفي المملكة المتحدة كانوا من بين الأقل تحفيزًا في أوروبا، حيث أشار 10% فقط من الموظفين إلى أنهم يشعرون بأنهم منخرطون في عملهم. وقدّرت الدراسة أن عدم المشاركة الفعّالة في العمل يكلف الاقتصاد البريطاني حوالي 11% من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما يعادل 257 مليار جنيه إسترليني سنويًا.
تقرير غالوب العالمي
وسجّلت مشاركة الموظفين العالمية، حسب تقديرات غالوب في تقريرها لعام 2024 بعنوان "حالة مكان العمل العالمي" ركودًا، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مباشرة على الإنتاجية التنظيمية. وأشارت إلى انخفاض إحساس الموظفين بالانتماء إلى مكان العمل، حيث يعاني 20% من موظفي العالم من العزلة يوميًا، مما يكلف الاقتصاد العالمي 8.9 تريليونات دولار أميركي، أو 9% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ويشير التقرير إلى أنّ 41% من الموظفين يعانون من "الكثير من التوتر". ومع ذلك، يختلف الضغط بشكل كبير وفق كيفية إدارة المنظمات، فأولئك الذين يعملون في شركات ذات ممارسات إدارية سيئة (منعزلون بشكل نشط) هم أكثر عرضة للتوتر بنسبة 60% تقريبًا من الأشخاص الذين يعملون في بيئات ذات ممارسات إدارية جيدة (منخرطون). وتم الإبلاغ عن تعرض 30% تقريبًا من الموظفين الذين يعملون تحت إدارة سيئة للكثير من التوتر، مقارنة بالعاطلين عن العمل.
آراء الخبراء
وفي هذا السياق، يوضح البروفيسور السير كاري كوبر، أستاذ علم النفس التنظيمي والصحة في كلية مانشستر للأعمال ورئيس معهد الرعاية الاجتماعية والمنتدى الوطني للصحة والرفاهية في العمل، أن ظاهرة الاستقالة تتركز بشكل رئيسي بين الأجيال الشابة، مثل جيل الألفية. ويعزو ذلك إلى تجاربهم خلال الأزمات المالية العالمية في 2008 و2015، حيث شاهدوا آباءهم يفقدون وظائفهم أو يلتزمون بها رغماً عنهم بسبب التزامات مثل القروض العقارية.
وقال كوبر في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن هؤلاء الشباب يرغبون في حياة عملية ذات نوعية جيدة ولا يريدون أن يعيشوا مثل آبائهم الذين تحمّلوا وظائف غير مرضية بسبب التزامات مالية. وأشار إلى أن جيل الألفية وجيل زد يسعيان للحصول على تدريب مناسب وتقدير أكبر، وغياب هذه الميزات يدفعهم إلى "الاستقالة بهدوء".
وأضاف كوبر أنه "لإشراك الموظفين بشكل كامل، يجب خلق ثقافة تعزّز رفاهية الموظفين بعيدًا عن ساعات العمل الطويلة". وأوضح أن الجيل الأصغر مستعد للعمل لساعات أطول في بعض الأسابيع، ولكنه يرفض العمل المرهق بشكل مستمر. وحتى الجيل الأكبر سناً أصبح يرفض ثقافة العمل التي تتطلب 60 أو 70 ساعة أسبوعيًا، ويريد توازناً أفضل بين حياته العملية والخاصة.
وأشار كوبر إلى أن إحدى المشاكل الرئيسية في المملكة المتحدة هي الاعتماد على تعيين المديرين بناءً على مهاراتهم الفنية فقط، بغضّ النظر عن مهاراتهم في التعامل مع الأشخاص، مؤكداً أن أصحاب العمل الأميركيين يفضلون تعيين المديرين الذين يتمتعون بذكاء عاطفي ومهارات اجتماعية قوية. وأكّد أيضاً على أن هذا الفارق يؤثر على مستوى مشاركة الموظفين، بيد أنه لفت إلى الجهود الحالية الجارية في المملكة المتحدة لمعالجة هذه المشكلة من خلال التأكد من أن المديرين يمتلكون كلاً من المهارات الفنية ومهارات التعامل مع الأشخاص. وقدّم على سبيل المثال، المنتدى الوطني للصحة والرفاهية في العمل، الذي يضم 50 مجموعة من أصحاب العمل في لندن مثل مايكروسوفت وبريتش بتروليوم وشركة الاتصالات "بي تي"، والذي يعمل على تحسين مهارات المديرين في هذا الجانب.
من جهته، أعرب البروفيسور ديفيد سبنسر، أستاذ الاقتصاد والاقتصاد السياسي في جامعة ليدز والمتخصّص في اقتصاديات العمل ومستقبل العمل، عن شكوكه حول وجود دليل قوي على "الاستقالة بهدوء" بين العمال في المملكة المتحدة. وقال لـ"العربي الجديد": هناك مشكلة في عدم قدرة العمال على العمل، ترتبط جزئيًا بمشاكل في القطاع الصحي مثل نقص التمويل. كما أن هناك مشاكل تتعلق بكيفية مكافأة العمل، مثل ركود الأجور، مما يؤدي إلى تثبيط عزيمة العمال وإحباطهم. عندما يكون العمال غير راضين عن العمل ويتركون العمل بهدوء، قد يكون ذلك مرتبطًا بعوامل مثل المديرين السيئين وأعباء العمل الثقيلة وكثافة العمل العالية، أو غياب أي عمل مثير للاهتمام".
وأشار سبنسر إلى أن هذه العوامل تختلف من مكان عمل إلى آخر. وفي رده على سؤال "العربي الجديد" حول التقارير التي تفيد بأن مستويات مشاركة الموظفين أعلى في الولايات المتحدة على الرغم من وجود تدابير حماية عمل أقل صرامة، قال سبنسر إنه لم يرَ أي بيانات مقارنة، لكنه أكّد أن العوامل السلبية ذاتها قد تسهم في عدم بذل العمال كل ما في وسعهم في العمل.
وأضاف سبنسر: "الافتقار إلى تدابير حماية العمال قد يجعل العمال الأميركيين أكثر عرضة للعمل السيئ وأكثر ميلاً إلى الاستقالة بهدوء، رغم أن ذلك قد يعني أيضاً أنهم أكثر عرضة للفصل من العمل إذا تبين أنهم لا يعملون بأفضل حالاتهم. أعتقد أن الدرس العام هو أن العمال يكونون أكثر عرضة للانخراط في العمل إذا كان العمل الذي يقومون به جيد الأجر وبجودة عالية. وإذا شعر العمال بأنهم يعاملون بشكل جيد، وأن لديهم فرصًا للتقدم ومعنى في عملهم، سيكونون أكثر تفاعلاً وأقل احتمالاً للانسحاب بهدوء". وأكد سبنسر أن المفتاح هو تشجيع العمل ذي الجودة الفضلى، مضيفاً أن "جعل العمل أخف (نوعًا وكماً) أمر بالغ الأهمية إذا كان للعمال أن ينخرطوا في عملهم".
ثقافة العمل في أوروبا الغربية والولايات المتحدة
يؤكد تقرير غالوب التباين الكبير بين ثقافة العمل في أوروبا الغربية والولايات المتحدة. ففي حين تتمتع أوروبا الغربية بقوانين عمل قوية، إلا أن هذه القوانين لم تنجح في تحفيز الموظفين وزيادة شعورهم بالانتماء إلى مكان العمل. وعلى النقيض من ذلك، تحتل الولايات المتحدة مرتبة أدنى في ما يتعلق بحماية العمال، لكنها تشهد معدّلات أعلى من مشاركة الموظفين وشعورهم بالانتماء. وتحتل دول مثل النرويج والدنمارك والسويد مراتب متقدمة في مؤشر حقوق العمال، ولكن معدل مشاركة الموظفين فيها قريب من المتوسط. في المقابل، فإن ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، رغم تصدرها في قوانين العمل، تشهد معدلات مشاركة أقل من المتوسط.
وفي ما يتعلق بتصنيف تقرير غالوب للدول العربية من حيث حقوق العمال، يأتي العراق والمغرب في مقدمة الدول التي توفر حقوقًا عمالية عالية. بينما تقع دول مثل البحرين ومصر والأردن والكويت ولبنان وليبيا والسعودية وتونس والإمارات العربية المتحدة واليمن في خانة الدول ذات الحقوق العمالية المنخفضة، مما يؤثر بالتالي على مشاركة الموظفين في العمل، وينعكس على الإنتاجية العامة في هذه الدول.
الإدارة الفعّالة حلاً لمشكلة الاستقالة بهدوء
وجدت مؤسسة غالوب أدلة قوية على أن تقليل عدد العمال المنعزلين يؤدي إلى نتائج إيجابية داخل المنظّمات. وفي تحليل عام 2024، وهي أكبر دراسة من نوعها تتضمن بيانات من أكثر من 183 ألف مكان عمل في 53 صناعة و90 دولة، وجدت غالوب أن أماكن العمل التي يشعر فيها الموظفون بالانتماء بشكل أكبر، تشهد رفاهية أعلى بكثير للموظفين، بالإضافة إلى زيادة الإنتاجية والربحية والمبيعات مقارنة بأماكن العمل ذات المشاركة المنخفضة.
ويشير التقرير إلى أن العلاقة الشخصية بين الموظف والمدير، تلعب دورًا كبيرًا في تحسين الانخراط في العمل، حيث إن المديرين الذين يتمتعون بمهارات قيادية فعالة، يبنون علاقات إيجابية مع موظفيهم تعتمد على الاحترام والتقدير. وهو ما يعزّز شعور الموظفين بالانتماء ويزيد إنتاجيتهم ورضاهم عن العمل.
وأكدت دراسة حديثة من جامعة أكسفورد أهمية المبادرات التنظيمية في تحسين بيئة العمل وتقليل مستويات التوتر، فتطوير ممارسات الإدارة، وتوفير موارد مناسبة للموظفين، يمكن أن يسهما بشكل كبير في معالجة أزمة الصحة العقلية في مكان العمل. وكما هو مفصل في تقرير هذا العام، فإن تغيير الطريقة التي ندير بها الأشخاص أمر بالغ الأهمية للحد من التوتر في العمل والحياة.