أعلنت شركة التعدين السويدية المملوكة للدولة، "لكاب" (LKAB)، أمس الخميس، عن اكتشاف كبير لأتربة نادرة وهامة في مدينة التعدين كيرونا، أقصى شمال البلاد.
وصرحت وزيرة الطاقة السويدية، إيبا بوش ثور، في مؤتمر صحافي، عن الاكتشاف، بوجود رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بمناسبة انتقال الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي إلى استوكهولم.
وذكرت بوش أنّ العناصر الأرضية المكتشفة "يمكن أن تساعد الاتحاد الأوروبي في أن يصبح أكثر استقلالية عن الأتربة النادرة من الصين، ولتعزيز التحول الأخضر".
الأتربة النادرة، ومواد خام أخرى لم يعلن عن تفاصيلها بعد، هي من النوع الذي تتحكم فيه الصين في مجال الصناعات، وخصوصاً الرقائق الهامة لقطاع السيارات الكهربائية.
من جهته، أكد المدير التنفيذي لشركة التعدين السويدية "لكاب"، يان موستروم، أنّ "الاكتشافات المعلن عنها كبيرة بالقدر الذي ينهي اعتماد أوروبا على دولة واحدة"، مضيفاً "رأينا الاعتماد على الغاز الروسي ونتائجه، وهو ما ينطبق على الاعتماد على الصين في مجال الأتربة النادرة".
وذكّرت الوزيرة السويدية بأنّ أوروبا "تعتمد على إنتاج وتنقية الصين للعناصر النادرة بنسبة 90%، كما أنّ 60% من الليثيوم يأتي أيضاً من الصين"، لافتة أمام فون ديرلاين، إلى أنّ ذلك "غير مستدام، ويجب على الاتحاد الأوروبي زيادة استقلاله (في مجال المواد الخام الضرورية للصناعات)".
كلام الوزيرة السويدية، التي تتزعم حزب "المسيحيين الديمقراطيين"، في حكومة يمين الوسط برئاسة أولف كريسترسون (حزب المعتدلين الليبرالي) يعني ربط المواد الخام بالمنافسة الجيوسياسية بين أوروبا من جهة وكل من الصين وروسيا، والتي ارتفع مستواها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022.
أهمية الاكتشافات السويدية في الصناعة والتحول الأخصر
يعتبر اكتشاف الأتربة النادرة في السويد "الأكبر في أوروبا، وبالتالي يمكن أن يكون له تأثير كبير على أوروبا بأكملها"، كما يقول موستروم، مؤكداً أنه "أمر بالغ الأهمية للانتقال من محركات الاحتراق إلى السيارات الكهربائية".
واستخراج الأتربة النادرة، يحتاج عادة إلى سنوات عدة قبل استخدامها في الإنتاج الصناعي، بيد أنّ ذلك قد لا يحتاج إلى تلك السنوات "فعلينا أن نسرع من وتيرة الحصول على أذون الاستخراج والتعامل مع الأتربة قبل مرور نحو 10 سنوات كما هي الأمور في العادة مع رخص التعدين"، بحسب ما شدد موستروم.
التعويل على تسريع استخراج الأتربة وإدخالها في الصناعات، أمر يبدو حاسماً بالنسبة للبلد الإسكندنافي الصناعي، وخصوصاً أنه يأتي في مجال تحقيق السويد هدفها في الحياد المناخي والتحول الأخضر، ما يعطي مؤشراً إلى إمكانية توافق المشرعين والسياسيين على الاستخدام السريع للمواد الخام النادرة.
منطقة كيرونا (شمال) التي اكتشفت فيها المواد النادرة، تقع في نطاقها أضخم مناجم خام الحديد في السويد. لكن "لكاب" تأمل الذهاب إلى أبعد من ذلك. فمسؤولوها ووزراء حكومة يمين الوسط يبدون حماسة لتوسيع العمل في منطقة البراري ضمن شمال الدائرة القطبية الشمالية، التي لم تمسها بعد الصناعات والتنقيب بسبب وجود واحدة من الأقليات العرقية "شعب سومي"، وباعتبارها محميات يمنع على الأوروبيين الاقتراب منها.
يذكر أنّ منطقة الدائرة القطبية الشمالية، أصبحت في السنوات الأخيرة محط تنافس شديد بين الغرب وروسيا، مع محاولة الصين الدخول على الخط، من خلال مجلس القطب الشمالي، لترجيح خبراء في مجال الطاقة والمواد الخام وجود كميات ضخمة من المواد النادرة، وخصوصاً تلك التي تدخل في صناعة الرقائق والبطاريات، إلى جانب مراهنة روسيا على توسيع استثماراتها في مجال استخراج الطاقة الأحفورية، بعد أن كشطت التغيرات المناخية بقعاً جليدية ضخمة.
وأكدت استوكهولم، أمس الخميس، أنها ليست بصدد التضحية بالمناطق الطبيعية في سبيل التحول الأخضر، متعهدة في الوقت عينه أنها ستتحمل المسؤولية حيال الأقلية العرقية القديمة في المنطقة. وشددت الوزيرة بوش ثور على أنّ "السويد أثبتت أنه من الممكن استخراج المواد الخام، وفي نفس الوقت حماية الطبيعة، واستخدام ما اكتشف في الصناعة ليس بعيداً عن حماية الكوكب".
يبدو الحماس كبيراً أيضاً عند الدنماركيين جيران السويد، لمثل هذه الاكتشافات، وخصوصاً في مجال استخدامها بإنتاج توربينات الرياح والسيارات الكهربائية وغيرها من التقنيات الخضراء، كما صرح، أمس الخميس، للتلفزيون الدنماركي، نائب مدير شركة "الطاقة الخضراء" يان هيلبيرغ.
شدد هيلبيرغ على ما ذهب إليه المتفائلون في السويد من أنّ هذا الاكتشاف للمواد الخام في أوروبا "سيؤدي إلى تحسين أمن التوريد بشكل كبير، فهذه نقطة انطلاق جيدة جداً لاستراتيجية أوروبية مستقبلية بشأن الاستقلال فيما يتعلق باستخراج المواد الخام ومعالجتها".
وبالرغم من هذا التفاؤل، إلا أنّ انتقال أوروبا من سياسة انتهجتها منذ سقوط جدار برلين في عام 1989 تحت مسمى "التجارة الحرة" جعلتها تعتمد على شراء الأرخص من المواد الأولية من الخارج، ومع الدروس التي قدمتها جائحة كورونا في أزمة سلاسل التوريد، والسلوك الصيني الضاغط صناعياً، وأزمة الطاقة بعد الحرب في أوكرانيا، فإنّ العودة إلى توطين الصناعات والاعتماد على المواد الخام محلياً (أي الاستقلال عن التأثير الخارجي)، سيستغرق وفقاً للمراقبين زمناً طويلاً، وربما أطول من فترة الاعتماد على الصين وروسيا خلال العقود الماضية.