تتوالى الآثار السلبية للحرب الإجرامية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة على القطاعات الاقتصادية في الأردن، وسط توقعات بأن يشهد النمو تباطؤا خلال الربع الثالث الأخير من العام الحالي.
وحسب مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية (مؤسسة مجتمع مدني مستقلة)، تقدّر قطاعات اقتصادية أردنية تأثرت أنشطتها بسبب العدوان بنسبة لا تقل عن 60% وتحملها المزيد من الخسائر، قد تدفع الكثير من المنشآت إلى التوقف عن العمل، أو على الأقل تخفيض طاقاتها الإنتاجية وتسريح العاملين لديها أو إعطاء إجازات لهم بدون أجور وانتظار التطورات المقبلة.
وقال مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية في أحدث تقرير له إن الاقتصاد الأردني يعتمد بشكل رئيسي على عدة قطاعات، منها الخدمات والتجارة والسياحة والمطاعم والنقل. ومنذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة تأثرت قطاعات واسعة، وكان قطاعا السياحة والخدمات الأكثر تأثرا، ما تسبب في تداعيات كبيرة على الاقتصاد الأردني وسوق العمل. وحسب التقرير، فإن الأردن من الدول التي تعتمد على الاستيراد، ما زاد من التأثيرات السلبية عليه.
وقبل أيام، أشار المرصد العمالي الأردني (مستقل) إلى دعوات لاستيعاب العاملين الأردنيين المهددين بفقد وظائفهم نتيجة مقاطعة الشركات الداعمة للعدوان الصهيوني، حيث إن 70% من مجمل الاستهلاك الأردني من المنتجات والبضائع المستوردة والعديد منها تأتي من شركات أجنبية منحازة إلى الكيان الصهيوني.
أكد خبراء اقتصاد، وفقا لما نقله عنهم مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، أن الخسارات التقديرية والمتوقعة للاقتصاد الأردني ستكون بشكل أكبر في الربع الأخير من العام الحالي 2023، وأن هناك قطاعات عديدة تأثرت بالعدوان على غزة، وأن القطاع السياحي وقطاع الخدمات هما الأكثر تأثرا.
وأشار الخبراء إلى أن سلاسل الإمداد تأثرت وتراجعت الاستثمارات والنشاط التجاري من الاستيراد أو التصدير، بالإضافة إلى مؤشرات أخرى تتعلق بتراجع إنفاق المواطنين لأسباب نفسية، وبالتالي تراجع الإيرادات الضريبية الحكومية.
دائرة الإحصاءات العامة الحكومية قالت، أول من أمس الأحد، لقد بلغ الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك (التضخم) لشهر تشرين الأول الماضي، 109.78 مقابل 108.31 لنفس الشهر من عام 2022، مسجلا ارتفاعاً نسبته 1.36%.
وبيّن التقرير ارتفاعا طفيفا في أسعار المستهلك نسبته 0.08% (أقل من نقطة مئوية واحدة) مقارنة مع الشهر الذي سبقه من نفس العام. أما على المستوى التراكمي، فقد شهد الرقم القياسي للأشهر العشرة الأولى من هذا العام ارتفاعا نسبته 2.21% مقارنة بنفس الفترة من عام 2022.
رئيس المرصد العمالي أحمد عوض قال لـ"العربي الجديد" إن من أهم الآثار الاقتصادية للحرب على غزة هو تراجع الطلب على نشاطات اقتصادية أساسية مثل السياحة والمطاعم والمحلات التجارية وغيرها، ما يفتح احتمالات ارتفاع البطالة بسبب تسريح العمال.
وأضاف أن العديد من المنشآت التجارية والخدمية التي تشهد مقاطعة محلية لمنتجاتها قد استغنت عن عدد كبير من العاملين لديها، وربما تغلق أبوابها خلال الفترة المقبلة، لعدم وجود إقبال عليها مع استمرار حملات المقاطعة وتكثيفها، بالتزامن مع تصاعد العدوان وتواصله بحق قطاع غزة وأبناء الضفة الغربية.
وقال عوض إنه وفقا لدراسة قام بها مركز الفينيق، فإن نقابات عمالية ونقابات لأصحاب العمل أكدت أن بعض القطاعات تأثرت أنشطتها بنسبة تصل إلى 60%.
وكنتيجة حتمية تأثر العاملون في تلك القطاعات، خاصة العمال الذين يعملون بنظام المياومة. وأضاف أن هناك دعوات إلى دعم القطاعات المتأثرة، خاصة القطاع السياحي والصناعات الوطنية.
الخبير والباحث في الاقتصاد السياسي حسام عايش قال إنه من الصعب تقدير خسارة الاقتصاد الأردني جراء العدوان على غزة، ولكن هناك قطاعات تأثرت، منها قطاع السياحة، حيث ألغت مجموعات سياحية حجوزاتها وأوقفت نشاطاتها.
ولا يستبعد عايش أن يتأثر النمو الاقتصادي في الربع الأخير من العام الحالي بالعدوان.
وقال إن الأوضاع في فلسطين لها تأثير مباشر على الأردن؛ إذ أن المواطنين يتوافقون مع المشاعر ذاتها التي لدى الفلسطينيين ويتصرفون وفق معطيات اقتصاد الحرب الذي يفرض عليهم مقاطعة سلع ومنتجات أميركية وغربية من جهة، وتقليل الإنفاق على سلع لا حاجة ماسة إليها من جهة أخرى، الأمر الذي يؤثر على الضرائب الحكومية.
وأشار إلى أن الأحداث أثرت على سلاسل الإمداد والتبادل التجاري، خاصة بين الأردن وفلسطين، وانعكس ذلك على توافر سلع معينة يستوردها الأردن أو حتى يصدّرها، موضحا أن احتمالية دخول أطراف إقليمية في الحرب يؤدي إلى ارتفاع كلفة النفط والغاز، وهو ما يؤثر على مجمل النشاطات الاقتصادية ومجمل القطاعات ويعيدنا إلى منطق التضخم.
ولفت إلى أن هناك تداعيات خطيرة على الاقتصاد الأردني الذي يعتمد 40% منه على الطاقة التوليدية للكهرباء من اتفاقية الغاز مع الاحتلال، في الوقت الذي تعاني فيه شركة الكهرباء الأردنية من مديونية منذ 12 عاما، وعدم الالتزام بشروط الاتفاقية التي تفرض شرطا جزائيا لمن لا ينفذ البنود، مقداره مليار ونصف المليار دولار، ما يستدعي البحث بشكل عاجل عن مصادر جديدة للطاقة.
الرئيس السابق لنقابة تجار الألبسة منير ديّة قال إن هناك تخوفات لدى قطاعات عديدة من استمرار الحرب وتأثر مصادر دخلها وانعكاسها على سلوك المستهلك في عملية الشراء، إذ أصبح المواطن حذرا ومتخوفا على السيولة التي يمتلكها في هذه الأوقات، ما أثر على جميع القطاعات الاقتصادية.
وأضاف أن كثيرا من الصناعات تعتمد على التصدير إلى السوق الفلسطيني، وبالتالي توقفت وتراجعت صناعات كثيرة بنسبة تصل إلى 75%، ناهيك عن أن السفر عبر جسر الملك حسين الذي كانوا يعتمدون عليه في عملية التصدير ليس بآمن.
جمعية الفنادق الأردنية حذرت، في بيان صحافي، من أن قطاع الفنادق تأثر منذ بدء العدوان الصهيوني، وأدى ذلك إلى ارتفاع نسب إلغاء الحجوزات، حيث كانت نسبة إشغال الفنادق في الفترة ما بين 7 إلى 31 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي تُشكل نسبة 55 بالمائة وألغيت الحجوزات بنسبة 43 بالمائة، فيما كانت نسبة الإشغال مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 35 بالمائة وأُلغيت الحجوزات بنسبة 50 بالمائة.
ودعت الجمعية في بيانها الحكومة إلى تقديم الدعم اللازم للقطاع الفندقي، من خلال توفير حوافز اقتصادية أو تخفيض الرسوم والضرائب للمساهمة في خفض الخسائر التي يتكبدها القطاع.
نقيب أصحاب قاعات صالات الأفراح (تحت التأسيس) مأمون المناصير قال إن القطاع تأثر بشكل ملحوظ، من خلال إلغاء حجوزات قاعات الأفراح وإيقاف الحفلات، وقد وصلت نسبة إلغاء الحجوزات إلى 15%، في حين توقفت الحفلات بشكل كامل.
وأوضح أن العاملين في الصالات وقاعات الأفراح بنظام المياومة يجاوز عددهم 30 ألف عامل، توقفوا عن العمل بشكل شبه كامل ووضعهم ازداد سوءا. نقيب أصحاب المطاعم والحلويات عمر العواد، قال إن القطاع تأثر بنسبة تصل إلى 60% بالمقابل.