مع اقتراب نهاية عام 2020، يواصل المواطنون على امتداد الجغرافية السورية الصراع مع أزمات تطوقهم وتفتك ببعضهم. يقفون في الطابور على الخبز في سبيل الحصول على أرغفة محدودة العدد منه. وأحيانا تتقاسم الأسرة الرغيف وكأنه الأخير لهم.
وقد يفترشون الأرض وينامون على الطرقات لأيام للحصول على الوقود، في الوقت الذي يتخلون فيه عن الكمامة المهمة لمواجهة فيروس كورونا ويشترون بثمنها الغذاء لأطفالهم، وكأن حياتهم هي صراع من أجل البقاء.
في العاصمة دمشق أقدم عاصمة في التاريخ، خط الفقر يبتعد مسرعا والأهالي يجرون في محاولة عبثية لتخطيه دون جدوى، فالمصائب بالنسبة لهم تأتي تباعا، تأبى المجيء فرادى لتمنحهم وقتا لالتقاط أنفاسهم واستجماع ما بقي لديهم من قوة لمواجهتها. أزمات كثيرة في الغاز والكهرباء والخبز والألبسة والغذاء، كلها جاثمة فوق صدر المواطن ولا خلاص منها بالنسبة له.
وسط شوارع العاصمة ترى وجوه الناس شاحبة، ولا يمكن التخمين إن كانت بسبب البرد أو بسبب ما يعانيه الناس، كما يقول عمر أبو المجد لــ"العربي الجديد"، إذ إن باصات النقل الداخلي تغص بالركاب الساعين خلف أعمالهم، يحاولون النجاة من الأسعار الطاحنة والأزمات.
ويقول أبو المجد: "أنا محظوظ لبقائي محافظا على قواي العقلية حتى الوقت الحالي، فعندما أفرغ من التفكير بإيجار المنزل، أبدأ بالتفكير بما ينقص المنزل من مواد غذائية أساسية، كالسكر والأرز والبرغل والفاصولياء، وفي الأصل لا نفكر في سواها، اللحوم والفواكه والحلويات أصبحت من المحرمات، نراها على واجهات المحال التجارية فقط نشتم رائحتها ونتمتع بمناظرها".
وأضاف المواطن السوري أن سعر الكيلو الواحد من لحم الغنم يساوي نصف إيجار المنزل الذي يقطنه حاليا والبالغ 40 ألف ليرة سورية (14.5 دولار). ويتابع: "هذا غيض من فيض، الحمص والعدس والفاصولياء والمعكرونة، هي وجباتنا الرئيسية، وهي التي تبقينا على قيد الحياة وسط هذه الظروف، والأسعار الخيالية التي نشهدها هنا، أنا أعمل في ورشة نجارة وزوجتي مدرسة، راتب زوجتي نسدد به إيجار البيت وما أحقّقه من دخل يجب أن يكفينا بقية الشهر، كل ليرة محسوب لها أين يجب أن تصرف وكيف؟ وإلّا ستحاصرنا الديون ونبقى جوعى على الدوام".
ويعاني المواطنون في دمشق من غلاء الأسعار بالدرجة الأولى، والكهرباء السيئة ونقص الخبز والوقود وغاز الطهو المنزلي وغلاء السلع بالعموم، التي تضاعفت بشكل كبير عن العام الماضي في حين بقيت الرواتب على حالها حيث يبلغ متوسط الراتب 60 ألف ليرة سورية (21.8 دولارا).
أما في مناطق شمال غرب سورية، حيث بدأت تظهر تداعيات مأساة النزوح جليا، نظرا لعدد السكان الكبير، والمخيمات المترامية التي يقطنها نازحون يترقبون الخلاص منها في كل يوم، يترقبون الاستقرار في منازلهم من جديد، وإسناد ظهورهم إلى جدرانها، فقد قلّت فرص العمل وتنوعت العملات وتعدّدت معها المصاعب والتحديات أمام الناس.
ويتحدث المواطن بلال العمر، عن الواقع الحالي في المنطقة حيث يقول لـ"العربي الجديد": "اليوم أسطوانة الغاز يبلغ ثمنها 73 ليرة تركية، وأنا كشخص أعمل في صيانة الدراجات النارية أقيم في مخيم للنازحين، أقبل بما يعطيه لي الناس من عملات، بالكاد أوفر ثمن توفير الكهرباء والخبز والطعام لأفراد عائلتي، كلها ضغوط يومية نعيشها".
ووفقا لتقرير صدر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا" في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يوجد 237000 شخص بحاجة، يعانون من أزمة غذاء حقيقية وهم بحاجة ماسة لمساعدات غذائية عاجلة في مناطق شمال غرب سورية، وبعموم المنطقة المحررة من محافظة إدلب، في الوقت الذي يفتقر فيه 1.3 مليون شخص لأي شكل من أشكال خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة. كما يتقاسم كل 103 أشخاص دورة مياه واحدة، كمعدلات في بعض المناطق، حيث يتشارك 50 شخصا دورة مياه واحدة بنسبة 41 بالمائة من مناطق شمال غرب سورية، حسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
وفي المقابل، يوضح الحاج أبو أحمد النازح من مدينة معرة النعمان والمقيم في مدينة كفر تخاريم لـ"العربي الجديد" أن الأسعار ارتفعت بشكل ملحوظ هذا العام، حيث تبلغ تكلفة إيجار المنزل 100 دولار.
وأضاف أبو أحمد: "يقيم مع في المنزل ابنى وأحفادي، وتبلغ تكلفة الحصول على المياه والكهرباء ما بين 70 و90 دولار شهريا، دون احتساب باقي المتطلبات الرئيسية كمواد التدفئة، ونحن نحتاج شهريا ما بين 500 و550 دولارا، نحاول الاقتصاد على الحاجات الرئيسية بشكل دائم".
وتابع: "بالنسبة لشراء الملابس والأحذية نفضل الأطفال دائما بهذا الأمر على أنفسنا، فنحاول شراء حاجياتهم فقط وإن توفر لنا المال الكافي نشتري لأنفسنا، أما العوائل التي يقل أفرادها عن خمسة قد تكتفي شهريا بنحو 350 دولارا ما بين إيجار منزل والحاجات الضرورية كالغذاء وغاز الطهي والماء والكهرباء".
وفي مناطق شمال شرق سورية الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، حيث من المفترض أن يكون الوضع أفضل من الناحية الاقتصادية بالنسبة للمواطنين، نظرا لغنى المنطقة بالثروة النفطية والمشاريع الإنمائية التي تنفذها العديد من الدول منها الولايات المتحدة الأميركية، لا يقل الوضع سوءا عن باقي المناطق السورية، والأزمات ذاتها تعصف بالمواطن هناك.
يقول جاسم محمد طارق لـ"العربي الجديد": الحديث يطول عما نعانيه هنا، فالغاز بالكاد يتوفر، والكهرباء أحيانا تتوفر لعشر دقائق وتنقطع لخمس ساعات، حاولت خلال الأيام الثلاثة الماضية الحصول على أسطوانة غاز بسعر قليل لكن دون جدوى، رغم وجود بطاقة تمنحها الإدارة الذاتية لنا، كون أسطوانة واحدة لا تكفينا في الشهر، وتباع في السوق بمبلغ مرتفع جدا يتجاوز 12 ألف ليرة سورية (4.36 دولارات) رغم أن سعرها المفروض وفق البطاقة هو 2400 ليرة سورية (0.87 دولار).
وللعيش بشيء من الارتياح يؤكد طارق أن العائلة في مدينة القامشلي المكونة من خمسة أفراد تحتاج بالحد الأدنى لنحو 550 ألف ليرة سورية (200 دولار) على اعتبار أن البيت مملوك لها، أما المستأجرون المقيمون في القامشلي فهم بحاجة لإيجار المنزل إضافة لتكاليف المعيشة وغيرها.
ويتشارك المواطنون على امتداد الجغرافية السورية هموما في مقدمتها توفير الغذاء، إضافة للماء يليها الحصول على الكهرباء وخدمات الإنترنت والتدفئة التي تختلف تكاليفها من منطقة إلى منطقة وحسب وسيلة التدفئة المستخدمة.
كما أن الغذاء هو أزمة حقيقية لا يمكن تجاهلها حيث تحدث الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة، مارك لوك، في إحاطته لمجلس الأمن منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، حول مخاوف بشأن الحصول على المساعدات الإنسانية مع انخفاض درجات الحرارة، مشيرا إلى أن التمويل الحالي لن يسمح للأمم المتحدة إلا بالوصول لنحو 2.3 مليون محتاج من أصل 3 ملايين بحاجة ماسة لها.