وحّدت الأزمة الاقتصادية أحزاباً وقوى عديدة من مختلف ألوان الطيف السياسي، لتشكيل جبهة إنقاذ جديدة، عنوانها "التيار الحر" للخروج بمصر من كبوة عنيفة يتجه بها النظام إلى المجهول، بعد أن عم الغلاء وزادت معدلات الفقر والبطالة والديون، وتجمد رؤوس الأموال.
بينما المستثمرون عالقون بين وقف أنشطتهم في الداخل والبحث عن فرصة للخروج الآمن والسفر للاستثمار في الخارج.
ودشّن "التيار الحر" ولادته من مقر حزب المحافظين الموالي، وضم في صفوفه 4 أحزاب، الإصلاح والتنمية والدستور والمحافظين ومصر الحرية، وأيّده مشاركون بصفتهم الشخصية من أحزاب الوفد الليبرالي والتجمع اليساري، والمرشح الرئاسي المحتمل أحمد طنطاوي.
وقال المنسق العام للمؤتمر، هشام قاسم، في تقديمه شهادة ميلاد "التيار الحر" في مؤتمر صحافي موسع، مساء الأحد الماضي، إنه تجمع للتيارات الليبرالية التي قدمت تنازلات على مدار 70 عاما مضت، للحكم العسكري، دون أن يسمح له بالتعبير عن نفسه أو بتمثيل واضح، مبينا أن ثورة يوليو 1952 قامت على أساس السيطرة على أدوات الاقتصاد بالتوازي مع السيطرة على أدوات العمل السياسي، وما نراه الآن من ملكية عامة هي رأسمالية للدولة، تحتاج إلى تحريرها من قبضة السلطة، لإعادة سيطرة الشعب على ثروته.
أفكار إصلاحية
اعتبر رئيس حزب المحافظين، أكرم قرطام، شهادة ميلاد التيار بمثابة "مانيفيستو" (تمهيد)، لقائمة المطالب التي يأتي الاقتصاد على قمّتها، معتبرا أن الديمقراطية والتعددية وسيلة لبناء الجسور.
وحدد قرطام دور الدولة بأن تكون "دولة حارسة" تعمل على حفظ الأمن وتطبيق القانون، لا تنافس الأفراد، وتعمل على تقديم الخدمات لهم، وحفظ الأمن وتطبيق القوانين التي ارتضاها الشعب عبر طريق الممثلين المنتخبين، بعدالة وحرية ونزاهة من مختلف الأحزاب.
وشدد قرطام على أن التيار يعتبر أن كل صاحب عمل يملك محلا صغيرا أو "كشك" أو عملا حرا، هو مستثمر، يجب أن تتاح أمامه الفرص ليشارك في توليد ثروة للمجتمع.
من جانبه، أكد رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، أن التيار يبني أفكارا إصلاحية للأوضاع التي نعيشها، انطلاقا من الأوضاع الاقتصادية التي تحتاج التعامل معها وبسرعة، بالإضافة إلى الاستقرار السياسي.
وقال السادات إن التيار الحر أصدر وثيقة، خاصة بملكية أصول الدولة، التي تتصرف الحكومة الآن ببيعها، دون مشاركة شعبية، نتجت عن لقاءات مستمرة بين قادته لشهور طويلة، حرصنا خلالها على ألا يظهر التيار كبديل أو انشقاق على أي تيار آخر.
وأفصح السادات عن توجهات لإجراء انتخابات بلدية، على مستوى المحليات عام 2024، يتبعها انتخابات برلمانية 2025، تدفع الناس إلى ضرورة التعاون مع بعضهم، خاصة مع الحاجة الماسة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد.
وأشار إلى أن التيار الحر قائم على أحزاب لها شرعية تستطيع التحرك على أرض الواقع، أثناء فترة الانتخابات، للتواصل مع العمال والنقابات والمجتمع المدني للحصول على دعمهم للبرنامج الاقتصادي والسياسي للتيار الحر.
وقف إهدار الموارد
طالب السادات السلطة بوقف إهدار موارد الدولة وبضبط الإنفاق وعدم الصرف على مبان فارهة والمؤتمرات ببذخ، وعدم التوسع في الاقتراض، ووضع أولويات لتنفيذ المشروعات دون اللجوء لمزيد من الديون.
وذكر أن الدولة يجب أن تمنح دورا أكبر للقطاع الخاص، وتدعم المبادرات الفردية، على أن تحتفظ بدور المنظم والرقيب على ما يحدث، ولا تتدخل، كما يحدث الآن بمنح ميزات لبعض المؤسسات والجهات التي كونت شركات أدت إلى إصابة القطاع الخاص بشلل، فتعطلت أعمال البعض وآخرون تركوا البلاد.
وقال السادات: التيار الحر، ليس يمينيا متطرفا، لأنه يفهم البعد الاجتماعي ومطالب الشعب واحتياجاته، فالدولة لا تقوم إلا بتوفير حقوق العامل والفلاح والموظف وتعاون رجال الأعمال والمستثمرين.
توقع انضمام شخصيات عامة كبيرة للتيار خلال المرحلة المقبلة، ومواجهة الألغام التي تزرع في طريقه بإقامة تحالفات قوية مع الأحزاب والمجتمع المدني والنقابات ورجال الأعمال. كما أشار السادات إلى إمكانية مساعدة التيار لإسقاط الديون المصرية، إذا ما خاطب الجهات الدولية، مؤكدا أن العالم أصبح لا يثق في إنفاق الحكومة لأموال الشعب، لأنها أسقطت دور الأحزاب والمجتمع المدني في الرقابة على صرف هذه الأموال.
وأوضح أن هناك مبادرات لإسقاط الدين عن الدول الفقيرة، يمكن للتيار الحر أن يعمل على تحريكها إذا ما سمح له بالتحرك على ملف الديون، مؤكدا أن المبادرة التي يملكها التيار تعتمد على تحميل الجهات المقرضة مسؤولية تقديمهم قروضا لجهات تعلم أنها لا تفيد عموم الشعب، وبالتالي يمكن العمل على إسقاطها، أو إعادة جدولتها بما يخفف الأعباء عن الاقتصاد المصري.
وقال السادات إذا لم يكن هناك استقرار سياسي حقيقي يوفر البنية المشجعة على الاستثمار في ظل دولة عدالة تفصل بين السلطات، وتطبق القانون على الجميع، ولا يمنح الجيش والأجهزة السيادية إعفاءات ضريبية ومميزات تفوق ما لدى باقي الناس، فإن وضع الاقتصاد سيزداد سوءا.
وأضاف السادات أن الحكومة بدأت تستجيب لأصوات ما كنا ننادي به من مساواة بين القطاع الخاص والجهات الأمنية والحكومية، بتعليمات من صندوق النقد الدولي، فلماذا لا تستمع إلى نصائح الشعب، عملا بمبدأ "بيدي لا بيد عمرو".
الدولة واحتكار بعض الأنشطة
"إنه الاقتصاد يا سادة"، هكذا بدأ رئيس حزب مصر الحرية، تامر سحاب، كلمته في بداية المؤتمر، مؤكدا أن الاقتصاد هو السياسة، فلا يمكن إقامة بنيان اقتصادي دون أساس سياسي متين.
وأوضح أن التيار الحر تأسس لوضع حلول واضحة، دون مواءمات أو توازنات وسطية، تستهدف تمكين الشعب وإتاحة الفرصة له لإدارة مقدراته عبر الممارسات الديمقراطية السليمة، بالاستفادة من إمكانيات البلد واستغلال ثرواته الهائلة بالشكل الأمثل، والتي من خلالها يمكن وفي وقت قصير جداً أن يصبح قوة اقتصادية كبيرة.
ودعا سحاب إلى خروج الدولة من كافة الأنشطة الاقتصادية، وأن ينتهي عصر إسناد المشروعات بالأمر المباشر، ووضع دراسة جدوى لكل مشروع قبل الشروع في تنفيذه، ووضع أولويات واضحة للمشروعات.
كما شدد سحاب على ضرورة النظر إلى التعداد السكاني على أنه أهم ثروة قومية تمتلكها البلاد، لنتمكن من استثمارها والاستفادة منها وتطويرها، وعدم اعتباره عبئا على الميزانية، خاصة أن 60% من تعداد الدولة طاقة شابة في أوج عطائها.
وأكد أن التيار الحر سيعمل على استكمال خطوات بدأت في التاريخ المصري الحديث، لإقامة صناعة وطنية تعتمد على دعم الدولة لها بقوة، وليس لجمع الرسوم والضرائب فقط من المستثمرين.
واعتبر سحاب أن المشروعات الصغيرة والمتوسطةْ هي قاطرة التنمية الحقيقية بدولة كثيفة السكان، بما بضمن زيادة الإنتاج، وتوطين التكنولوجيا واستهداف التصدير وإدماج الاقتصاد غير الرسمي.
انهيارات اقتصادية
وقالت رئيسة حزب الدستور، جميلة إسماعيل، إن التيار الحر يدافع عن مصالح قطاعات واسعة من الناس تصحو وتنام على حرب يومية من أجل البقاء، بينما الجميع مهدد بانهيارات اقتصادية إلا أصحاب الحظوة والمحسوبية.
أوضحت إسماعيل أن التيار الحر يستهدف رسم طريق للخروج من الأزمة الاقتصادية، في إطار مسيرة طويلة من أجل كسر احتكار السلطة والثروة، التي فرضت نفسها عبر سياسات اقتصادية أدت إلى وضع غير مسبوق من الفقر والمرض والحرمان من شروط الحياة الإنسانية.
كذلك نوهت إلى أهمية مشاركة الأحزاب في بناء اقتصاد قوي على أن الثروة ملك للناس لا رهينة لحاكم يتصرف بها كما يشاء، ونقابات تحمي حقوق العاملين ولا تكون أداة سلطوية لحرمان الجميع من حقوقهم.
وأكدت أن التحالف يأتي في إطار ليبرالي ليدافع عن حقوق المواطنين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومواجهة المعاناة الأبدية التي يأكل الفقر والمرض والإهمال أغلب سكانها، بينما تعيش طبقاتها الحاكمة خلف أسوارها المحمية في نعيم يفوق الخيال.
تعديل بنيوي
في رده على أسئلة لـ"العربي الجديد" ومراسلين أجانب، في غياب ملحوظ لمراسلي الإعلام المحلي، قال هشام قاسم إن البلد بها كوادر وخبرات هائلة تحتاج إلى العمل تحت مظلة سياسية، وتعمل للعمل على دفع الاقتصاد بأمان.
وأضاف: نحتاج إلى تعديل بنيوي في الاقتصاد، مشيرا إلى أن المصريين في الخارج ينتظرون هذه التعديلات كي يضحوا ويشاركوا في إنقاذ الاقتصاد والاستغناء عن المعونات والقروض.
وتابع: ندعو إلى الإصلاح الاقتصادي الشامل، والذي لا يتم إلا عبر إصلاح سياسي، وإلا تحول الأمر تدريجيا إلى فساد، مع التركيز على إصلاح القطاع الخاص للاقتصاد لأنه يشغل 80% من القوى العاملة في مصر.
وذكر قاسم أن الاقتصاد ما زال يدفع ضريبة تأميم الشركات عام 1961، والتي لم تختف آثارها، كما رأينا مصادرة أموال رجال الأعمال ووضعهم في قوائم الإرهاب، كما حدث مع رئيس شركة جهينة، صفوان ثابت، وكيف عينت له الحكومة شرطة مرور خاصة تقف أمام مصانعه لمنع السيارات من الخروج من المصنع، ولم يتوقف ذلك إلا بعد رفعه من قوائم الإرهاب، وخروجه من الحبس الاحتياطي بعد عامين، بدون تهمة محددة.