الأسواق المصرية تترقب تراجعاً جديداً لقيمة الجنيه عقب الأعياد بضغوط شح الدولار والمستثمرين الخليجيين
تسود الأسواق حالة من الترقب، وسط أجواء ضبابية حول مستقبل الجنيه المصري الذي تسحقه ضغوط شح الدولار والعملة الصعبة، مع تعثر الحكومة في إتمام أي صفقات بيع للأصول العامة إلى شركاء خليجيين وأجانب، منعت تدفق نحو 2.5 مليار دولار في بلد متعطش إلى ضخ سيولة مالية في شرايينه، تعينه على الخروج من أزمة خانقة.
تنخفض قيمة الجنيه، على مدار عام، بوتيرة متسارعة، حيث تراجع إلى 41.6 لكل دولار أميركي، في سوق العقود الآجلة، لمدة 12 شهراً، وبلغ الدولار في السوق الموازية 37 جنيهاً، بينما يظل ثابتاً في البنوك الرسمية عند حدود 30.9 منذ 9 مارس/ آذار الماضي، هبوطاً من 15.7 جنيها مقابل الدولار في فبراير/ شباط 2022.
اتفق خبراء تمويل واستثمار أنّ الحكومة أصبحت عالقة الآن بين عدم قدرتها على تدبير العملة الصعبة، لتمكنها من تمويل واردات الدولة والقطاع الخاص من السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج، التي تراكمت على مدار الشهرين الماضيين في الموانئ، وتباطؤ بيع أصول عامة، وفقاً لاتفاق مسبق مع صندوق النقد الدولي، حل موعد المرحلة الأولى منه نهاية مارس الماضي.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، عن مستثمرين سعوديين وخليجيين، تحذيراً، يوم الجمعة الماضي، من أن أي خطة إنقاذ مالية لمصر ستعتمد على تخفيض العملة، وتعيين مسؤولين جدد لإدارة اقتصادها.
تمتلك دول الخليج 28 مليار دولار، كوديعة سيادية لدى البنك المركزي تنتهي عام 2026، في إطار التزام تلك الدولة مع صندوق النقد على دعم الاقتصاد للخروج من عثرته، رغم صدور تصريحات لمسؤولين يؤكدون أنّ الدعم لن يكون مستمراً للأبد، من دون عوائد أو بغير شروط.
يلقي المستثمرون مسؤولية تأخير خطط الإنقاذ المجدولة مع صندوق النقد الدولي، لعدم قدرتهم على اتخاذ قرار حاسم يحدد قيمة الجنيه، وفقاً لسعره السائد في العقود الآجلة، وضمان تطبيق مرونة سعر الصرف، والقضاء على السوق الموازية.
أبدى مستثمرون تشكيكهم في قدرة الحكومة الحالية على وقف هيمنة شركات الجيش، والتابعة للجهات الأمنية، على الاقتصاد، بعد امتداد نشاطهم إلى كافة القطاعات الصناعية والإنتاجية، ما دفع القطاع الخاص للانكماش ومواجهة مخاطر استثمارية في سوق يعاني من ارتفاع معدلات التضخم وأزمة العملة وبيروقراطية حكومية معززة بمجموعات فساد إداري.
خبير التمويل والاستثمار رشاد عبده قال لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ المستثمرين الخليجيين يطلبون أن يعكس الجنيه مدى قوته الحقيقية في السوق، مشيراً إلى أنهم يشعرون بحقهم في شراء أصول بقيم رخيصة، تحقق لهم الأرباح، في ظل ضغوط من صندوق النقد تلزم الحكومة بالتخارج من 79 نشاطاً صناعياً وإنتاجياً، وسعر مرن للصرف يضمن طرح العملة وفقاً لمبدأ العرض والطلب.
وأضاف أنّ الحكومة لم تجد مشترين غير العرب لتقدم لهم تلك الأصول، وهي التي تحتاج إلى أموال الخليج، لأنها مأزومة وتبحث عن الدولار، لتفك بها الأزمات التي تواجهها على كافة المستويات.
وأكد عبده أنّ الحكومة "لم يعد لديها وقت للمناورة، وعليها أن تستمع لطلبات المشترين إذا ما أرادت الحصول على الدولار، وأن يقوم القطاع الخاص برفع نسبة مشاركته في إدارة الاقتصاد من 25% إلى 75% خلال 4 سنوات"، موضحاً أنّ "طرح الأصول العامة للبيع بالبورصة لن يكون حلاً سهلا، لأنّ العائد بالجنيه غير كاف، في ظل ندرة العملة الصعبة".
هذا ويتوقع محللون أن تبدأ الحكومة تخفيض الجنيه نهاية الشهر الجاري، في إطار سعيها لتحجيم التضخم قبل الأعياد، الذي بلغ المعدلات التاريخية عند 33% عام 2017، في مارس الماضي.
ودفعت الحكومة الجنيه إلى المزيد من التراجع بلجوئها إلى طرح سندات ديون دولية بفائدة 10.8% لمدة 3 سنوات، ورفعت الدين العام بنسبة 12% عام 2022، ليصل إلى 162 مليار دولار نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
لا ثقة استثمارية في الحكومة المصرية الحالية
وعبّر مستثمرون مصريون، لـ"العربي الجديد"، عن عدم ثقتهم بأعضاء في الحكومة الحالية في "إدارة أزمة اقتصادية من صنع أيديهم"، تدفع كثيراً من رجال الأعمال إلى نقل أعمالهم إلى السعودية والإمارات والأردن والمغرب.
ويحدد المستثمرون 10 نقاط فاصلة تدفعهم للخروج من العمل بالسوق المحلية، وتتمثل بارتفاع معدلات التضخم بأرقام قياسية، وتدهور قيمة العملة منذ عام 2016 بما يدفع إلى تآكل الأرباح، والفساد والبيروقراطية، وصعوبة الحصول على مستلزمات الإنتاج، واستمرار فرض قيود على الواردات، والمنافسة غير المتكافئة مع شركات الجيش والجهات الحكومية، وإسناد المناقصات العامة بالأمر المباشر، وعدم حرية المنافسة ومنع الاحتكار، وسوء مستوى خريجي المدارس والجامعات، وعدم مواكبة العمالة للتقدم التكنولوجي.
ويشير مستثمرون إلى أنّ الحكومة وعدت بخصخصة 32 شركة، من بينها بنوك عامة وشركات أسمدة وبتروكيماويات واتصالات وموانئ، ضمن التزامات مع صندوق النقد، وهذا ما لم يتحقق، إضافة إلى تعطيلها مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البترول والغاز والتأمين والأدوية، ورفع أسعار الأراضي الزراعية والعقارية.
وأبدى أعضاء في جمعيات رجال الأعمال واتحاد الصناعات في اجتماعات عدة رفضهم سياسات التفضيل التي تتبعها الحكومة للشركات السيادية، التي تحولهم إلى وكلاء لها بالباطن، من دون أن تمارس أي أعمال حقيقية، تجني الأرباح والشهرة، بينما يتحملون تدبير التمويل بفوائد تصل إلى 25%، وخسائر التشغيل والتأخير للمدفوعات المقررة، وفقاً للعقود، مع مخاطر التضخم المستمر وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج.
وأشار محللون إلى مخاطر استمرار الحكومة في الدفع بالجنيه نحو مزيد من التراجع، أملاً في تخفيف فاتورة الواردات وتشجيع الصناعات المحلية، بينما تعتمد الأنشطة الزراعية والإنتاجية على استيراد مستلزمات الإنتاج من الخارج.
ونصحت مؤسسات تمويل دولية الحكومة بالعمل على زيادة طروحات البيع الحكومية، وتوسيع نطاقها، ودعم الصناعات التصديرية، باعتبار مصر تعاني من شح الصادرات التي تمثل 10% فقط من الناتج الإجمالي، بينما يصل متوسط التصدير للدول النامية نحو 40% منه.
نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن ثيموثي كالداس قال، في تحليل للأزمة المصرية، إنّ المخاطر التي يتعرض لها المستثمرون ترجع إلى وجود منافسة قوية من الحكومة للقطاع الخاص، وجهات لا تهتم كثيراً بسيادة القانون.
الحكومة المصرية تحتاج إلى إصلاح هيكلي شامل
ويؤكد اقتصاديون أنّ الحكومة تحتاج إلى إصلاح هيكلي شامل، يمنع خروج الشركات المصرية للخارج، ومتعددة الجنسيات من العمل، كما فعلت شركات تويوتا وفودافون وبي إن بي باربيا خلال العام الماضي.
وتشير تقارير صحافية إلى الضغوط التي تمارسها الحكومة على رجال الأعمال، وخاصة المنتقدين لتصرفاتها، بتهميشهم وحرمانهم من العمل مع المشروعات الممولة من الموازنة العامة، ولجوئها إلى وضع مستثمرين في قوائم الإرهاب، وتأميمي أصولهم، مستشهدين بما فعلته مع رجل الأعمال صفوان ثابت ونجله، مالكي شركة جهينة، اللذين أطلق سراحهما أخيراً، بينما ما زالت أصول الشركة رهن التحفظ في أيدي الحكومة.