أجواء العيد تكاد تكون نادرة في أحياء بغداد، والاستعدادات لاستقبال الأضحى خجولة، رغم تمسك العائلات العراقية بمظاهر العيد وتحضيراته القبلية.
الظروف القاسية التي تمر على العراقيين سرقت بهجتهم هذا العام، حيث تسيطر العتمة على عدد كبير من المناطق بسبب انقطاع الكهرباء العامة والخاصة، فيما شح مياه الشرب والاستخدام زادا من تفشي الأوبئة، وحولا حياة الناس إلى مأساة حقيقية.
وكل ذلك يتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 47 درجة مئوية. الساحات اليوم متروكة للأزمات الاقتصادية والصحية، تضاف إليها خلافات سياسية جعلت المواطنين يترقبون يومياتهم بحذر.
وتشهد السوق العراقية ركوداً حاداً غير معتاد قبل عيد الأضحى. العام الماضي مثلاً، انتعشت قبل أيام من العيد حركة الناس والتجار وأصحاب المحال التجارية وسط زحمة المتبضعين.
وقال مهند الشريفي، صاحب محل لبيع المواد الغذائية في سوق الشورجة وسط بغداد، في حديث مع "العربي الجديد" إن إقبال المواطنين على شراء متطلبات وتحضيرات عيد الأضحى هذا العام ضعيف جدا بالقياس مع الأعياد الماضية"، مبيناً أن حركة البيع هذه الأيام انخفضت بنسبة تتجاوز الـ 40 في المائة عن الأعوام الماضية.
وأضاف أن "الضعف في حركة البيع شمل جميع القطاعات، أبرزها سوق الملابس والمواد الغذائية والعطارين وألعاب الأطفال وقطاعات أخرى"، لافتاً إلى أن أصحاب المحال التجارية كانوا يعولون كثيراً على العشرة أيام التي تسبق عيد الأضحى، علها تُنعش السوق، إلا أن محالهم بقيت شبه فارغة من المتسوقين".
من جهته، شرح أحد المتبضعين يدعى أيوب العزي في حديث مع "العربي الجديد"، أن "جميع الأسعار وأبرزها المواد الغذائية والملابس شهدت ارتفاعًا فاحشاً من دون أي رقابة تذكر من الجهات الحكومية المعنية بهذا الشأن، في وقت تعاني أغلب العائلات العراقية الفقر والحرمان".
وبيّن أنه" كانت في السنوات السابقة تُشترى قطعتان إلى ثلاث قطع لكل فرد من عائلته المتكونة من 5 أشخاص، في حين اكتفى هذا العيد بشراء قطعة واحدة لكل فرد بسبب تدهور أوضاعه الاقتصادية".
وأضاف أن "الحياة تزيد صعوبة في العراق نتيجة تردي الأوضاع المادية وزيادة الالتزامات على المواطنين"، لافتاً إلى أن هذا التدهور وغياب فرص العمل وضعف السيولة النقدية نغصت على العراقيين فرحتهم بالعيد، ولم تبق فسحة للاستعداد ليوم العيد الذي أصبح مقتصراً على الأطفال الذين لم يذوقوا بعد حجم معاناة أهلهم".
يشكو العراقيون قبيل عيد الأضحى من عتمة تسيطر على بيوتهم وشح حاد في المياه، في ظل ارتفاع شديد لدرجات الحرارة
وفي سوق جميلة شرق بغداد لا يختلف الحال كثيرا عن سوق الشورجة، فقد شهد هو الآخر ضعفاً كبيراً في حركة التبضع. ولفت المواطن محمد عبدالله الذي يعمل في محل لبيع العطور والمطيبات في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن كل شيء في العراق تغير، غابت فرحة الأعياد واختفت مظاهرها، حركة البيع ضعيفة والأسواق خالية، حتى لذة الاستعداد ليوم العيد أصبحت ضعيفة جدا، متسائلا "كيف سيكون العيد سعيداً وأغلب العائلات لا تستطيع تقديم العيدية (مبلغ من المال) لأطفالهم ومحبيهم".
وأضاف أن "الكثير من ذوي الدخل المحدود غير قادرين على تلبية احتياجات العيد لاكتوائهم بنار الغلاء، ولم تبادر الحكومة العراقية بتقديم أي منح مالية للفقراء والمحتاجين التي يمكن أن تدخل الفرحة والبهجة في قلوب الناس في مثل هذه الأيام".
وأكد أن معظم العائلات العراقية قلصت احتياجاتها للعيد وأجلت شراء الملابس وألغت عمل الحلوى والمعجنات، كما ألغت الكثير من طقوس العيد مثل ذبح الأضاحي وإقامة الولائم والذهاب للمتنزهات".
وليست الإجراءات الاقتصادية وحدها ما أثقلت كاهل الطبقة الفقيرة، بل أيضا فشل الحكومة العراقية في توفير الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء. إذ يأتي عيد الأضحى في العراق في ظل غياب شبه تام لخدمات الماء والكهرباء وتوقف الكثير من مولدات الكهرباء الأهلية عن العمل نتيجة للنقص الحاد في الوقود أو تخفيض ساعة التشغيل، فضلا عن ارتفاع سعر وحدة الكهرباء (الأمبير) لأكثر من 20 دولاراً.
ارتفاع فاحش للأسعار في الأسواق وسط غياب أجهزة الرقابة
وفي صدد ذلك رأى النائب في البرلمان العراقي كامل الغريري أن "العيد هذا العام على ما يبدو سيكون مختلفا عن الأعياد الأخرى، إذ يخيم الظلام على الكثير من المناطق بسبب انعدام الكهرباء الوطنية وتوقف مولدات الكهرباء الأهلية التي أصبحت بديلا عن الكهرباء الوطنية، نتيجة لعدم توفر الوقود، فضلا عن انقطاع الماء الصالح للشرب عن الكثير من المناطق العراقية بسبب جفاف معظم الأنهر من دون أن تحرك الحكومة ساكناً".
وأضاف خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أن غياب المياه الصالحة للشرب أصبح مشكلة حقيقية تهدد صحة المواطن العراقي وغيب الكثير من أجواء وطقوس العيد وفرحته، خصوصا مع قدوم الأضحى وتجمّع الأقارب والزيارات، حيث تزداد المخاوف من حالات التسمم وانتشار الأمراض".
بدورها قالت رئيسة منظمة بشائر الخير الإنسانية نغم العكيلي في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "للأسف الشديد لم تترك حكومات العراق المتعاقبة فسحة للعراقيين لتذوق طعم الفرح"، مشيرة إلى أن" هذه الحكومات حرمت المواطنين حتى فرحة الأضحى الذي يعتبره المسلمون في جميع أنحاء العالم يوما مقدسا ومميزا لهم".
وأضافت أن أجواء العيد في العراق لم تعد كسابق عهدها بسبب غياب الخدمات وأهمها الماء والكهرباء التي تُعد من أساسيات الحياة فضلا عن تدهور الأوضاع المعيشية لأكثر من نصف المجتمع، بالإضافة إلى انتشار الأوبئة والأمراض بشكل مريب في الكثير من المناطق.
وأوضحت أن" الكثير من القرى والأرياف يعاني من تفشي الأمراض بسبب انقطاع الكهرباء والمياه الصالحة للشرب تماماً، متسائلة كيف للمواطنين أن يهْنأوا بعيد الأضحى وهم بلا هذه الخدمات الضرورية".
وبينت العكيلي أن "أغلب العائلات العراقية لم تعد تهتم بالعيد وأجوائه وطقوسه المعتادة، حتى أن البعض بات يرى أن عيد الأضحى يشكل عبئاً عليه بسبب فقدان السيولة النقدية وانعدام الخدمات".