يضع الحظر الذي فرضته بروكسل على دبلوماسيين وأكاديميين صينيين "اتفاقية الاستثمار الشاملة" بين دول الاتحاد الأوروبي والصين التي وقعت بين الطرفين في نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول، في غرفة الإنعاش. وربما يهدد الحظر الذي فرضته أوروبا وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا على بعض الشخصيات الصينية بزيادة التوتر التجاري والاقتصادي والتقني بين بكين والدول الغربية. ويقضي الحظر، الذي صدر يوم الإثنين، بتجميد أصول المسؤولين الصينيين المعنيين بالحظر ومنعهم من السفر إلى هذه الدول. ويتوقع خبراء أن يتطور الصراع الاقتصادي بين بكين وواشنطن ويتخذ قضايا حقوق الإنسان والملكية الفكرية منصة خلال الأشهر المقبلة.
وهذه هي المرة الأولى التي تعاقب فيها دول الاتحاد الأوروبي الصين على خروقات حقوق الإنسان منذ مجزرة "تيانانمين سكوير" في التسعينيات. ويعد الحظر الذي نفذته أربع دول، أول تطبيق فعلي لاستراتيجية الرئيس جو بايدن بقيادة تحالف غربي منسق لعزل الحكومة الصينية ومعاقبتها على خروقات حقوق الإنسان. وقال مسؤول في الإدارة الأميركية لصحيفة "وول ستريت جورنال"، يوم الثلاثاء، إن "الحظر من جانب واحد لم يؤد إلى تحول ديمقراطي في أي مكان في العالم ولن يكون فعالاً في غياب الضغط الجماعي والتنسيق".
ورغم أن رد الفعل الأوروبي على خروقات الصين لحقوق أقلية الإيغور المسلمة كان ضعيفاً مقارنة برد الفعل الأميركي الذي وصف الخروقات الأمنية ضد أقلية الإيغور بأنها "عملية إبادة جماعية"، إلا أن رد فعل الحكومة الصينية كان قاسياً، إذ فرضت الصين الحظر على 10 برلمانيين أوروبيين ومجموعة من الأكاديميين، في إشارة إلى أنها ستواصل الضغط على الدول الأوروبية التي لدى شركاتها مصالح تجارية كبرى في السوق الصيني وترغب في الحفاظ عليها، خاصة الشركات الألمانية التي كانت وراء تسريع الاتفاق الاستثماري مع الصين. وجماعات الإيغور أقلية مسلمة تقطن في إقليم شينجيان، غربي الصين، وتتعرض لعمليات سجن وترحيل وتمييز عنصري ممنهج من قبل الحكومة الصينية.
وبينما تستهدف الشركات الألمانية تحقيق مبيعات ضخمة في السوق الصينية، تستهدف الشركات الصينية تملّك مجموعة الشركات التقنية في الدول الأوروبية. وأظهرت دراسة أجراها معهد "إيفو" الألماني للأبحاث الاقتصادية، أنه من بين أكثر من 70 ألف صفقة استحواذ جرت في 92 دولة أوروبية خلال العقدين الماضيين استحوذ المستثمرون الصينيون على 1900 شركة، من بينها 171 شركة ألمانية. وحسب بيانات الدراسة التي نشرها المعهد، فإن الشركات التي اشتراها مستثمرون صينيون يزيد حجمها في المتوسط سبع مرات مقارنة بالشركات التي اشتراها مستثمرون من دول أخرى.
ويرى خبراء أن اتفاقية الاستثمار الشاملة بين الصين والمفوضية الأوروبية اتفاقية محدودة وحدثت تحت ضغط الشركات الكبرى في ألمانيا وعلى رأسها شركات السيارات الألمانية، مثل شركة فولكسفاغن، التي تصنع جزءاً كبيراً من سياراتها الكهربائية في الصين، وتسعى الصين من خلال الاتفاقية إلى بناء علاقات استثمارية متساوية بين الطرفين تتيح لها مواصلة اختراق السوق الأوروبية. ولكن الاتفاقية تخدم الصين في النهاية من ناحيتين، الأولى السماح للشركات الصينية بالاستثمار في بعض التقنيات الأوروبية التي تحتاجها، والناحية الثانية تحييد دول الاتحاد الأوروبي في نزاع بكين التجاري والتقني مع الولايات المتحدة. وكانت بكين تأمل بأن تعرقل هذه الاتفاقية خطة بايدن لبناء "تحالف رأسمالي غربي" لكبح تمددها الاقتصادي، كما تتخوف الصين، التي خرجت مبكراً من جائحة كورونا ويعتمد نموها على الصادرات، من أن تعرقل العقوبات الأوروبية صادراتها المتنامية إلى أوروبا.
وحسب إحصائيات مصلحة "يورو ستات" في بروكسل، بلغ حجم التجارة المشتركة بين الصين وأوروبا 650 مليار دولار في العام قبل الماضي، 2019 ويميل الميزان التجاري لصالح الصين. وتشير الإحصائيات إلى أن حجم الصادرات الأوروبية إلى الصين بلغ 242 مليار دولار، بينما بلغت الواردات الأوروبية من الصين نحو 442 مليار دولار في العام 2019. ولكن هنالك تقارير تشير إلى أن حجم التجارة المشتركة بين أوروبا والصين ربما سيرتفع خلال العام الجاري.
وقال البرلماني ورئيس لجنة التجارة بالبرلمان الأوروبي بيرنارد لانغ، في تعليقات نقلتها صحيفة "بوليتكو": "إن ما يحدث من خروقات لحقوق الإنسان في الصين يجب ألا ينظر إليه كأمر عادي"، في إشارة إلى ضرورة تشديد العقوبات على بكين. من جانبه، قال فيليب لوكور، الخبير في الشؤون الصينية بجامعة هارفارد، إن "اتفاقية الاستثمار كانت محاولة أوروبية لإرضاء الشركات الأوروبية الكبرى في أوروبا، ولكنها تخدم الصين أكثر من أوروبا". ويأتي الحظر الأوروبي ورد الفعل الصيني في وقت تنتظر اتفاقية الاستثمار الشاملة التي اتفق عليها الجانبان الأوروبي والصيني تصديق البرلمان الأوروبي عليها ليتم اعتمادها رسمياً من قبل دول الاتحاد وتصبح اتفاقية سارية المفعول.
ويرى البروفسور روبرت بيزداو، من جامعة "لندن سكول أوف إيكونومكس"، أن اتفاقية الاستثمار الصينية الأوروبية فضفاضة، وربما لن تتمكن من مقاومة الخلافات الحالية. ويقول بيزداو، في تحليل على موقع "لندن سكول أوف إيكونومكس"، إن الاتفاقية لا تحتوي على شروط جزائية في حال خرقها من أي من الأطراف، رغم أنها تمنح الشركات والأعمال التجارية حقوقاً متساوية في الاستثمار.