ليس من المؤكد أن ذروة أزمة الاقتصاد الإسرائيلي قد انتهت، وحتى لو حدث ذلك، فهناك تغييرات ستبقى لفترة طويلة، على سبيل المثال، في سوق العمل، الضريبة، والتبدل في النفقات.
يشرح موقع "ذا ماركر" الإسرائيلي أن "إسرائيل واقتصادها عرفا حروباً وأزمات كثيرة خلال 75 عاماً، وعرفا كيف يتعافيان، لكنهما لم يشهدا حدثاً كالذي أصابنا في 7 تشرين الأول/أكتوبر. بعد مرور شهرين ونصف على اندلاع الحرب، لا يبدو خط النهاية في الأفق، ولا يزال هناك مئات الآلاف من المجندين والنازحين من منازلهم".
إليك ما يقوله خبراء الاقتصاد لدى الاحتلال لموقع "ذا ماركر"، بعد العدوان الوحشي على غزة...
يكشف عدي براندر، رئيس قسم الأبحاث في بنك إسرائيل، عن تلميح من التفاؤل: "كل شيء يعتمد على الوضع الأمني وحقيقة أن حربا واسعة النطاق لن تندلع في الشمال". ويقول: "يبدو أن الجنوب يؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل أقل فأقل". "نرى أن عددًا أقل من الأشخاص يتم إرسالهم مرضى وتسريحهم، ويعود العمال من الإجازات المرضية، والإنفاق على بطاقات الائتمان ينتعش، وتم فتح أطر التعليم، وهناك صواريخ أقل في المركز. وهذا يؤدي إلى عودة النشاط في الاقتصاد".
ولكن البروفيسور مانويل تراختنبرغ، رئيس معهد دراسات الأمن القومي، يرى الأمور بشكل مختلف. ويقول: "نحن في وضع لم نشهده من قبل. فقد تم تحييد نسبة كبيرة من القوى العاملة بسبب الحرب، وهذا يؤثر على دوائر واسعة من الاقتصاد الإسرائيلي".
ويضيف: "بغض النظر عن الوضع في الشمال، لا يزال الاقتصاد عالقًا ولا يمكننا تحريره. رغم أنهم في إسرائيل يعرفون كيفية الارتجال، ويتمكن الناس من العمل بطريقة ما، ولو جزئيًا، لكن جزءا كبيرا من النشاط الاقتصادي لا يزال مشلولا".
ووفقا له، فإن حالة عدم اليقين تخيم على الاقتصاد الإسرائيلي حيث يقول: "ليس الأمر أنه بعد شهرين ونصف من الحرب يمكننا القول إننا مررنا بأزمة حادة، لكننا نعرف كيف نرسم نهاية الأزمة وإعادة الإعمار. هناك الكثير من علامات الاستفهام حول المستقبل".
الاقتصاد الإسرائيلي يواجه ضعف الثقة
ويتابع: "الحروب السابقة، على سبيل المثال انتهت بسرعة أكبر وكانت النهاية أكيدة، لكننا الآن لا نعرف شيئاً. متى ستنتهي خدمة الاحتياط، ومتى سيعود الأشخاص الذين تم إجلاؤهم إلى منازلهم، ومتى يمكننا إعادة العمال الأجانب والفلسطينيين. وقد لا يحدث ذلك إلا بعد وقت طويل. ومن الصعب أيضًا استعادة ثقة المستثمرين في الاقتصاد الإسرائيلي في مواجهة عدم اليقين، وهذا يضع علامات استفهام على النمو المستقبلي للاقتصاد".
وحتى مع تجاوز حديث الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الإسرائيلي فقد تستمر بعض التداعايت إلى مدى طويل. على سبيل المثال، يشعر براندر وتراختنبرغ بالانزعاج إزاء العواقب التي خلفتها الأزمة على صناعة البناء والتشييد وترفض الحكومة السماح للفلسطينيين بالعودة للعمل في إسرائيل، ويقدر النقص في صناعة البناء بـ80 ألف شخص.
ويقول براندر: "هذه مسألة قد تصاحبنا على المدى الطويل. فثلث العاملين في الصناعة ليسوا إسرائيليين، وسيكون من الصعب التعافي من دونهم. أحد الحلول هو إعادة الفلسطينيين أو معظمهم على الأقل، لكن معظم أعضاء الحكومة يعارضون ذلك".
هناك حل، وهو جلب عشرات الآلاف من العمال الأجانب، لكن براندر يقول إنه غير قابل للتطبيق على المدى القريب. والسبب في ذلك، بحسب قوله، هو أنه من المستحيل جلب هذا العدد الكبير من العمال الأجانب في فترة زمنية قصيرة. وفي الوقت نفسه، فإن انخفاض معدل توظيف العمالة الأجنبية منذ اندلاع الحرب يدعم هذا الادعاء.
علاوة على ذلك، حتى لو كان من الممكن نظريًا تجنيد مثل هذا العدد من العمال الأجانب، فإن براندر ليس متأكدًا من أن "إسرائيل ستكون سعيدة باستقبال 100 ألف رجل من دول أجنبية. وعلى عكس العمال الفلسطينيين، فإنهم لا يعودون إلى منازلهم في نهاية يوم العمل، بل سيبقون في جميع أنحاء المدن ومواقع البناء. وسيكون وجودهم محسوسًا في المجال العام، على عكس العدد الأقل بكثير من العمال الزراعيين المنتشرين في الجنوب، على سبيل المثال".
تغييرات في سوق العمل
خلاصة القول واضحة من وجهة نظر براندر: "التوظيف الفوري للعمال الأجانب هو خيال، ولن تتعافى الصناعة في المستقبل القريب طالما لم يُسمح للفلسطينيين بالعودة إلى العمل في إسرائيل".
ويشعر تراختنبرغ أيضًا بالانزعاج بسبب الركود في صناعة البناء، التي يصفها بأنها صناعة رئيسية في الاقتصاد الإسرائيلي إذ إنه وفقا له، يجب جلب الفلسطينيين من المناطق بطريقة منظمة وتدريجية. "على المدى القصير، في العام المقبل، ليس هناك شك في أن هذا هو السبيل الوحيد. ليس من الممكن إحداث تغيير، لا في القوة البشرية ولا في أساليب البناء، في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن".
وتعتزم إسرائيل إعادة تأهيل وتحديث المستوطنات بميزانية قدرها 18 مليار شيكل على مدى خمس سنوات، إلا أن الاستثمارات الضخمة في الأطراف قد تتعارض مع المنطق الاقتصادي.
ويوضح براندر أن ذلك سيكون له عواقب، على سبيل المثال، على مستوى الضرائب على جميع المواطنين من أجل تمويل إعادة التأهيل والتنمية.
والحرب الحالية غير مسبوقة من حيث إنها حرب شديدة تستمر نحو شهرين ونصف، ولا تلوح نهايتها في الأفق، وفق "ذا ماركر". ومن المتوقع أن تكون خدمة الاحتياط الممتدة على الأرجح جزءًا من روتين الحياة في إسرائيل في السنوات القادمة.
يقول براندر: "القضية الأساسية التي سترافقنا على المدى الطويل هي عبء خدمة الاحتياط، حيث تحتاج إسرائيل إلى تخصيص المزيد من الموارد لدعم الجنود.
"ممنوع تماما تكرار قفزة ميزانية الدفاع إلى ثلث الناتج المحلي الإجمالي"، وفق تراختنبرغ. "هذا أحد العوامل التي تسببت في العقد الضائع في اقتصادنا، الفترة المظلمة بين منتصف السبعينيات ومنتصف الثمانينيات. مثل هذا الشيء يجب ألا يحدث. الدافع الآن هو تغذية الأمن بمزيد من الميزانيات لأننا فشلنا بشدة في 7 أكتوبر".
وتغيب 140 ألف شخص عن وظائفهم في أكتوبر/تشرين الأول بسبب جنود الاحتياط، وعندما سُئل براندر عما إذا كان التجنيد المكثف لجنود الاحتياط منذ بداية الحرب وتأثيرهم في الغياب عن سوق العمل هو حدث يغير قواعد اللعبة، أو إذا كان مجرد وضع مؤقت، يجيب بأن الأمر يعتمد على الطريقة التي تنتهي بها الحرب. ومن الواضح أن النمو سيتضرر من الخدمة الإلزامية وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا سيتطلب تعديلات في الميزانية".
ويقول براندر أيضًا إنه من المتوقع أن يكون لدى البلاد نفقات دفاعية ومدنية كبيرة بسبب الحرب، وطالما أن الحكومة لا تعمل على تخفيفها من خلال تعديلات الميزانية التي من شأنها تقليل المطالب الأخرى، فقد يتسبب ذلك في ضغوط تضخمية.