بات الاقتصاد الموازي ملاذاً لشباب تونس الباحثين عن العمل، بعد توسع قدرته التشغيلية إلى نصف القوى العاملة في البلاد، بينما يستمر دور القطاع المنظم في التشغيل في التراجع وسط الصعوبات الاقتصادية التي تشهدها الدولة، في حين أوصد القطاع الحكومي باب التوظيف للعام الخامس على التوالي.
ويكافح شباب تونس البطالة باللجوء المكثف للعمل في القطاع غير المنظم، رغم هشاشة الوظائف والحرمان من التغطية الاجتماعية بحسب أحدث دراسة أصدرتها مؤسسة "فريدريش إيبرت" الألمانية.
وقدرت الدراسة التي جاءت بعنوان "الشباب في تونس لمحة حول واقع وطموحات هذه الفئة الاجتماعية" نسبة الشباب الذين ينشطون في أعمال عشوائية دون عقود عمل أو تغطية اجتماعية بنحو 77%. واستندت الدراسة التي جرى نشر نتائجها، الجمعة الماضي، إلى مسح شمل ألف شاب تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عاما من مختلف محافظات البلاد.
ويفسر عبد الرزاق حواص، المتحدث باسم الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة التحول المكثف للشباب نحو سوق العمل الموازية، بأنه نتيجة طبيعية للانغلاق الذي تشهده سوق العمل المنظمة.
ويقول حواص لـ"العربي الجديد" إن العمل في القطاعات الموازية والهشة أصبح أكثر استقطابا للشباب الهاربين من البطالة بسبب قدرة هذه القطاعات على توفير دخول جيدة نسبيا للعاملين فيها، رغم هشاشتها وغياب الحماية الاجتماعية.
ويضيف أن "نسبة المخاطرة العالية للعمل في القطاع الخاص المنظم تدفع الشباب، بمن في ذلك حاملو الشهادات الجامعية، نحو القطاع الموازي الذي يتوسع مستفيدًا من هشاشة منظومة التشغيل المنظمة".
ويؤكد حواص أن "العاملين في القطاع المنظم لحسابهم الخاص يواجهون نقصاً في التمويلات المصرفية وتعقيدات إدارية، إلى جانب الضغوط الجبائية العالية، بينما يحقق العاملون في القطاع الموازي الأرباح دون تحمل أي أعباء ضريبية أو فوائد بنكية مشطة".
ويشير إلى أن نمو التشغيل في الاقتصاد الموازي جاء أيضا في ظل تراجع الدور الحكومي في التوظيف. وللعام الخامس على التوالي تجمد تونس التوظيف في القطاع الحكومي، في إطار خطة للسيطرة على كتلة الأجور التي تصنف من بين الأعلى في العالم بنسبة تقترب من 14.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتقدر نسبة البطالة في تونس بـ 16.1% وفق أحدث بيانات معهد الإحصاء الحكومي للربع الأول من العام الجاري، بينما تبلغ نسبة العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات الجامعية 23.1% وهي نسبة تسجل تراجعا مقارنة بمعدلات ذات الفترة لعام 2022 التي كانت في حدود 24%.
وتظل فئة الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما الأعلى بين طالبي العمل، حيث بلغت نسبة بطالتهم 40,2% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، مقابل 38.8% خلال ذات الفترة من 2022.
ووفق دراسة حديثة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (حكومي)، فإن عدد العاملين في القطاع الموازي بلغ 1.6 مليون شخص في 2020 وهو ما يعادل 44.8% من إجمالي اليد العاملة في البلاد. ويعد القطاع الزراعي أحد أهم مجالات التشغيل في القطاع الموازي، إذ يستقطب ما يزيد عن 85% من العاملين، يليه قطاع البناء والأشغال العامة ثم قطاعات أخرى أهمها التجارة والنقل بحسب المعهد.