استمع إلى الملخص
- **التحديات الأمنية والاقتصادية**: تواجه الجزائر تحديات أمنية على الحدود الجنوبية مع مالي وليبيا، مما يستدعي زيادة ميزانية الدفاع. هذا يشكل تحدياً كبيراً في حال انخفاض أسعار النفط، مما قد يؤثر على الأريحية المالية للبلاد.
- **الهدوء الانتخابي والتحديات المستقبلية**: تتسم الانتخابات الجزائرية بالهدوء والاحترام المتبادل بين المرشحين. التوقعات تشير إلى فوز تبون، لكن التحديات المستقبلية تشمل اجتثاث الفساد، إنهاء البيروقراطية، القضاء على السوق السوداء، وتنشيط البورصة.
يشهد سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقرَّر إجراؤها غدًا السبت الواقع فيه السابع من سبتمبر/ أيلول 2024، منافسة بين ثلاثة مرشحين هم: الرئيس الحالي عبد المجيد تبون الممثِّل للتيار الوطني، ورئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني المحسوب على التيار الإسلامي، والسكرتير الأوّل لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش الداعم للتيار الديمقراطي. وقد وضع المرشحون أوراقهم الاقتصادية لجذب ما أمكنهم من مواطنين نحو صناديق الاقتراع. وبنظرة إلى البرامج الاقتصادية المطروحة، نلحظ أن القضايا طغت على خطابات المرشحين الثلاثة التي تقاطعت تحديداً في نقطة القدرة الشرائية التي أصبحت بدورها الشغل الشاغل للمواطن الذي يئنّ بصمت وسط موجة الغلاء التي اجتاحت البلاد بلا هوادة.
أعلن المرشح الحرّ تبون أنّ ولايته الرئاسية الثانية ستكون اقتصادية بامتياز، وتعهَّد بتحسين القدرة الشرائية من خلال رفع الأجور بنسبة 100% بحلول عام 2027 ومحاربة التضخُّم، كما أكَّد التزامه بشأن تخفيض الضرائب وتعزيز قطاعي الصناعة والزراعة وكذا الصادرات خارج قطاع المحروقات وربط جنوب البلاد بشمالها وتحقيق الأمن المائي والغذائي. واستدلَّ أيضاً بإنجازاته خلال ولايته الأولى مثل رفع الأجور بنسبة 47%، وخلق مناصب شغل وفرص عمل، واستحداث منحة بطالة للشباب العاطلين عن العمل بقيمة 15 ألف دينار جزائري (111.7 دولاراً)، وإغلاق باب الاستدانة الخارجية حفاظاً على استقلالية قرارات الجزائر وسيادتها، وإحراز تقدُّم في برنامج استرجاع الأموال المنهوبة، ورفع راية البلاد في المحافل الدولية.
بينما بلغت طموحات أحد البرامج الاقتصادية الذي يتبنَّاه المرشح حساني عنان السماء، فقد أكَّد عزمه على رفع الدخل الفردي إلى مستوى 9 آلاف دولار، وتقليص معدل البطالة إلى 5%، وخفض معدل التضخُّم إلى 3%، ووعد بتكثيف جهوده لتحسين الظروف المعيشية للمواطن، وضمان التوزيع العادل للثروة من خلال مراجعة سياسة الدعم المطبَّقة حالياً، إضافة إلى رفع الحدّ الأدنى المضمون للأجور ومعاشات المتقاعدين، وتنمية المناطق الحدودية، من دون ذكر المصدر الذي سيجلب من خلاله الموارد المالية اللازمة لتحقيق كل ذلك، كما تعهَّد، بصورة لا تمتّ إلى الواقع بصلة، بالارتقاء بالناتج المحلي الإجمالي إلى حدود 450 مليار دولار، ورفع معدل النمو فوق عتبة الـ 7%؛ علماً أنّ قيمة الناتج المحلي الإجمالي في البلاد بلغت 242.9 مليار دولار في عام 2023 بحسب التقرير السنوي لبنك الجزائر "البنك المركزي" لسنة 2023، ومن ثم يتطلَّب الوصول إلى تلك الحدود الأسطورية مهمّة مستحيلة تتمثَّل في إدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد الرسمي، وتحقيق معدلات نمو في الناتج المحلي الإجمالي لم يسبق لها أن تحقَّقت على وجه المعمورة، وأعلى حتَّى من معدل 62.3% الذي سجَّلته دولة غويانا في عام 2022، وهو أعلى معدل في العالم، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
كما أكَّد المرشح حساني، في أحد البرامج الاقتصادية المعلنة، إلغاء منحة البطالة واستبدالها بمنحة إدماج في مناصب شغل دائمة في حال انتخابه رئيساً للبلاد، الأمر الذي يشكِّل، رغم صحَّته من الناحية الاقتصادية، قطيعة مع شريحة واسعة من الشباب الذين تجري على ألسنتهم عبارة "عمِّي تبون" التي تعكس علاقة تقدير عائلية أسقطت الكثير من الحواجز بينهم وبين رئيسهم.
من جانبه، أغدق المرشح أوشيش الوعود على المواطنين من خلال أحد البرامج الاقتصادية والذي يتضمَّن رفع الحدّ الأدنى المضمون للأجور إلى 40 ألف دينار (297.8 دولاراً)، وإلغاء الضريبة على الدخل للأجور التي لا تتجاوز 50 ألف دينار (372.3 دولاراً)، وتفعيل الحقّ في التقاعد المسبق قبل نهاية السنة، ورفع قيمة المنحة العائلية لكل طفل إلى 3000 دينار (22.3 دولاراً)، وتسقيف أسعار المواد الغذائية، أي وضع حد أقصى لها، ورفع ميزانيات قطاعات التربية، والتعليم العالي، والصحّة بنسبة لا تقلّ عن 50%، ورفع منحة الطالب الجامعي إلى 20 ألف دينار (148.9 دولاراً) شهرياً، أي ما يعادل الحدّ الأدنى المضمون للأجور حالياً، والتخلُّص النهائي من سياسة الريع القاتلة من خلال تنويع الاقتصاد وتحسين مناخ الأعمال ومضاعفة حجم الصادرات وعصرنة النظام المالي ومحاربة السوق الموازية، كما أكَّد، في حال فوزه بالانتخابات، أنّه سيعمل على وضع رؤية طويلة الأمد لتنمية البلاد في أفق العام 2050 من دون أن يذكر هو الآخر الطريقة السحرية التي سيوفِّر من خلالها الغلاف المالي المطلوب لتحقيق وعوده.
بخلاف ما يجري في الولايات المتَّحدة من حرب كلامية وتراشق لفظي بين ترامب وهاريس، تتَّسم الانتخابات الرئاسية الجزائرية بالهدوء والخلو التام من المناكفات السياسية بين المرشحين الثلاثة، فلم يستغلّ منافسا المرشح الحرّ تبون إخفاقاته في عهدته الرئاسية الأولى لنيل نقاط إضافية وكسب تأييد الشريحة السكانية التي أصيبت بالإحباط من الوضع الراهن، ويعود ذلك أساساً إلى علاقة الاحترام المتبادل التي تربط بين الرئيس تبون ومنافِسَيه، حساني وأوشيش، وكذا احترام المواثيق المتَّصلة بالحملة الانتخابية الذي يستوجب ضبط الخطاب الانتخابي.
لقد فضَّل المرشحون الثلاثة مخاطبة المواطنين من خلال البرامج الاقتصادية بلغة الاقتصاد والتطرُّق إلى المواضيع التي تهمُّهم في الوقت الحالي، ولكن عند الابتعاد قليلاً إلى الخلف لرؤية الصورة كاملة يتَّضح جليّاً وجود تحديات أمنية خطيرة مثل الاعتداءات المتكرِّرة للجيش الانقلابي في مالي على قبائل الطوارق في إقليم أزواد شمالي مالي بالقرب من الحدود الجنوبية للجزائر، وتحرُّكات قوّات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر بالقرب من الحدود الجنوبية الشرقية للجزائر، علماً أنّ هذا اللواء المتقاعد ما هو إلّا بيدق الإمارات وإسرائيل اللّتين ترغبان في خلق جوّ من التوتُّر في الجزائر لتنشغل بنفسها عن مدّ يد العون إلى فلسطين ودول عربية أخرى وإظهار مواقفها الحازمة والمناهضة للكيان الصهيوني كتلك التي شهدها مجلس الأمن بخصوص العدوان الإسرائيلي المستمرّ على غزة، وكذا توجيه ناقلة محمَّلة بالوقود إلى لبنان العالق في العتمة.
تستدعي تلك التهديدات الأمنية قرب الحدود بالضرورة رفع ميزانية الدفاع، الأمر الذي يشكِّل صعوبة بالغة للحكومة المقبلة في حال انخفاض أسعار النفط، وخروج الجزائر من وضعية الأريحية المالية المرتبطة ارتباطاً مباشراً بارتفاع أسعار النفط نتيجة استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا وكذا الحرب في غزة.
خلاصة القول، حتَّى وإن كانت نتيجة التنافس على قصر المرادية محسومة سلفاً لصالح المرشح الحرّ تبون الذي يتمتَّع بشعبية أوسع مقارنة بمنافسيه، فإنّ معركة الإصلاح لم تُحسم بعد، ولا يزال الطريق طويلاً وشاقّاً لاجتثاث الفساد وإنهاء البيروقراطية والقضاء على السوق السوداء وتنشيط البورصة وتحسين قيمة الدينار الجزائري.