حسب آخر تقرير صادر عن البنك الدولي يتناول فيه تطورات الاقتصاد الأردني، برز خبران مهمان، الأول ينادي بشطب مشروع ناقل البحرين (الأحمر والميت)، بسبب الخلافات الفنية بشأن مواصفاته ونموذجه ووظائفه، لكن الثاني والأهم أن نسبة البطالة بين الشباب وصلت إلى 50%.
ولو قارنّا هذه النسبة بما تناولته وسائل الإعلام الدولية بشأن الأوضاع الاقتصادية في غزّة، نرى أن النسبة في القطاع تصل إلى 52%. ويشكل هذا الأمر مصدر قلق كبير للحكومة الأردنية والمراقبين.
يشكل الشباب في الأردن نحو 65% من مجموع السكان، بينما يشكل الشباب في غزّة نحو 69%. إذن فنسبة البطالة العامة في الأردن قد تصل إلى نحو 30%، وهي نسبة مرتفعة بكل المقاييس.
وفي نهاية العام، سيتخرج على الأقل 120 ألف شاب جديد من الجامعات والكليات والمدارس، الساعين إلى فرص عمل غير متاحة.
ولهذا، بات وضع البطالة والفقر في الأردن مقلقاً للغاية، خصوصا في ظل كورونا. ويحذّر علماء السلوك الاجتماعي والمحللين النفسيين من أن فيروس كورونا قد فعل فعله في زيادة الحِدِّية والأرق والضغط على الشباب والشابات.
وصاحَبَ ذلك كله ضياع الأمل في فرص العمل في القطاعين، العام والخاص، وزيادة مطالبات أبناء القبائل والعشائر والعائلات الممتدة الذين يفضلون العمل لدى القطاع العام، العسكري منه والمدني، على العمل الخاص.
ووجد بعض الساعين خلف الإثارة والشهرة، ممن ساعدتهم الأجهزة الرسمية على الصعود، فرصة للشعبوية عن طريق التهديد، مستعينين بثقل العشائر، ووجود آلاف منهم في الأجهزة العسكرية والأمنية، للضغط على الدولة، لا لتوفير الوظائف العامة لهم فقط، ولكن لإبعاد من يسمون بالصُّلْع والمتجنسين عن الوظائف العامة، بغض النظر عن أصولهم ومستوى تعليمهم وكفاءاتهم.
والآن، يتحدّث الملك عبد الله الثاني، بقوة وباستفاضة، عن ضرورة الإصلاح في الأردن. وللتذكير، أصدر الملك خلال السنوات 2013 - 2017 سبع أوراق ملكية، تتحدّث عن الإصلاح السياسي والاقتصادي.
وترتكز، في عقدها الاجتماعي، على ضرورة إيجاد المواطن الفاعل، وأحزاب فاعلة، ومجلس نواب فاعل، ومجلس وزراء نيابي فاعل.
وهكذا يصبح الشعب مصدر السلطات. ولكن اتباع الإصلاح، وفق أسس المساواة والعدالة وعدم التمييز، يصطدم بحائط ما يسميه بعض كبار السياسيين بالحقوق المكتسبة.
وبمعنى آخر، إنهم يخاطبون المشروع الإصلاحي للملك، مطالبين إياه بأن يصلح قدر ما يريد شريطة ألا يغير قواعد اللعبة، فمحافظة ما تشكل ما نسبته 2% من سكان الأردن يجب أن تستمر في التمتع بنسبة 10% من مجموع مقاعد مجلس النواب.
والمنطق غير المصرَّح به هنا أن القبائل والعشائر يطالبون بألا يُعاقَبوا على كرمهم في فتح الأبواب مشرعةً لآلاف المهاجرين الذين أتوا إلى الأردن طلباً للموئل مما كانوا يتعرّضون له من حروب واحتلال واقتلاع في بلدانهم الأصلية التي أتوا منها.
وقد تطوّر هذا الموقف إلى من ينادي بضرورة أن يكون أبناء العشائر وبناتهم هم الذين يشكلون الغالبية العظمى للقطاع المدني والعسكري العام، ويريدون كذلك تعزيز وجود رأسمال الحكومة ومؤسساتها في الشركات الاقتصادية الكبرى. وهم يرون في الخصخصة تهديداً لفرص عملهم، وفي تخفيف حجم القطاع العام المترهّل تهديداً لوظائفهم.
نعم، عندهم منطق وحجة يتشبثون بها. ولكن الأردن، في المقابل، قد أنهى المائة عام الأولى من الحكم الهاشمي، وهو يتطلع إلى المئوية الثانية بأمل أن يقيم مجتمع المساواة، والتكافؤ، والعدالة، وبناء كيان سياسي يمثل الوطن كله، والشعب كله بجميع أطيافه.
والأمر المنسي، ولكنه واضح تماماً، أن دور العشائر في الأردن ساهم في تثبيت نظام الحكم عسكرياً وأمنياً، وبات الأمر يتطلب في هذا العالم الشجاع الجديد اقتصاداً نشطاً، ومزيداً من الاعتماد على الذات، وزيادة التنافسية، والتي لا يمكن تحقيقها بدون قطاع خاص وفاعل، يموّل نحو 90% من نفقات الحكومة، والتي يذهب معظمها على الرواتب والأجور للعاملين والمتقاعدين وسداد فوائد الدين العام.
التحدّي الأكبر الذي يواجهه الأردن، هو إيجاد جواب مقنع للجميع، يجعلهم مدركين أهمية تكامل فئات المجتمع المختلفة، وأن يدرك كل واحدٍ أن له حقوقاً وعليه مسؤوليات، وأن الجانب الذي يريد فرض شروطه على الجانب الآخر سيؤدي إلى إضعاف الطرفين.
التغيير ووضع منهاج جديد هو البديل الذي لا مناص منه، ولا غنى عنه.
وإدارة عملية الإصلاح تتطلب حكمة عالية، ومشورة نصوحاً، وعقولاً راجحة تفهم ديناميكيات الحالة ومخاطرها وعوائدها. وعلينا أن نتذكّر ما قاله مؤلف كتاب "الأمير"، نيكولو ماكيافيلّي، الذي قال "ليس هناك أمر أكثر صعوبة، ولا أخطر مساراً، وأقلّ وثوقاً بالنجاح، من التصدّي لعبء تقديم مفهوم ومخطط جديد لإعادة ترتيب الأمور".