منذ أوائل عام 2022، أدى النقص الشديد في النقد الأجنبي الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا وعبء الديون الثقيلة في مصر إلى ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية وانخفاض قيمة العملة المحلية إلى مستويات قياسية.
وسبّبت الحرب في غزة تعميق الأزمة، مما يهدد السياحة، وهي مصدر رئيسي للعملة الأجنبية، وخفّض إيرادات مصر بالدولار من قناة السويس إلى النصف، بعد الهجمات التي شنّها الحوثيون على السفن المتجهة إلى إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين في قطاع غزة.
وتستورد مصر النفط والقمح والعديد من السلع الأخرى التي يتعين عليها دفع ثمنها بالدولار، وقد أدى ذلك إلى جعل الدولار عملة لا غنى عنها ونادرة، وهو الأمر الذي نتج عنه خلق سوق سوداء غامضة حيث تتجاوز قيمة الدولار بكثير سعر الصرف الذي حددته الحكومة بصورة مصطنعة بنحو 31 جنيهاً للدولار.
وقالت صحيفة " نيويورك تايمز" في تقرير لها اليوم الثلاثاء، عن الاقتصاد المصري، إن " سنوات من الإنفاق غير المسؤول وسوء الإدارة الاقتصادية التي وصلت إلى ذروتها في عام 2022، عندما ساعد الغزو الروسي لأوكرانيا على إغراق مصر في أزمة مالية، ولم تؤدّ الحرب في غزة إلا إلى تعميق الألم".
صفقة إنقاذ
من جهة أخرى وفقاً للصحيفة، فقد أصبح منع اقتصاد الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الشرق الأوسط من الانهيار أمراً ملحّاً جديداً لشركاء مصر الغربيين وسط الحرب في غزة.
وأعلنت مصر أنها ستزيد قرض صندوق النقد الدولي المتفق عليه مسبقاً بقيمة 3 مليارات دولار في غضون أسابيع، ومن المتوقع أن يصل إجمالي المبلغ إلى حوالي 8 مليارات دولار، وفقاً لخمسة دبلوماسيين في القاهرة تم إطلاعهم على المحادثات.
After two years of economic crisis, Egypt has been gripped by a frenzy of gold speculation. https://t.co/Ako4Fe5laU
— New York Times World (@nytimesworld) March 5, 2024
لكن لم تتوفر إلا تفاصيل قليلة عن صفقة الإمارات في رأس الحكمة التي أبرمتها مع مصر أواخر الشهر الماضي بقيمة 35 مليار دولار.
وقال السيسي الأربعاء الماضي، إن الإمارات، الحليف السياسي القديم والراعي المالي له بحسب وصف الصحيفة، بدأت بالفعل في تحويل مليارات الدولارات إلى مصر من أجل صفقة التنمية، مضيفة أن " الرئيس، الذي كان ينزف الدعم الشعبي حتى بداية الحرب في غزة، ويبدو أنه قد حصل على مهلة ".
وقال محللون للصحيفة، إنه إذا تم توفير الأموال الإماراتية كما وعدت، فإن الأموال النقدية، إلى جانب اتفاقية الإنقاذ الجديدة مع الصندوق والمتوقعة في غضون أسابيع، ستساعد مصر على استقرار اقتصادها.
وأضافوا أن ذلك سيساعد البلاد على تجنب التخلف عن سداد الديون، ودفع ثمن الواردات المتراكمة في الموانئ، وتقويض السوق السوداء بالدولار الناتجة عن نقص العملات الأجنبية.
لكن في المقابل وفقاً للمحللين، فإن مصر تخاطر بأزمة أخرى إذا لم تقم بإصلاحات ذات معنى لخفض الإنفاق وجذب المزيد من الاستثمارات وزيادة الصادرات والحد من هيمنة الجيش على الاقتصاد.
ملاذات آمنة
ولمواجهة ذلك، قلل الفقراء من الطعام، وسحبت الطبقة الوسطى أطفالهم من المدارس الجيدة إلى مدارس أرخص أو مجانية، والأفضل حالاً لم يحصلوا على إجازات أو وجبات، وانحدر الملايين من الناس إلى الفقر.
وأما لبعضهم، وبحثًا عن ملاذات مالية آمنة، فقد بدأ المواطنون الذين لديهم مدخرات في استثمارها في الذهب والعقارات والسيارات، أو أي شيء اعتقدوا أن قيمته ستكون أفضل من الجنيه المصري المتعثر.
وفي العامين الماضيين، نزل المضاربون الذين يشترون الذهب إلى السوق، إذ أدى انهيار الجنيه إلى زيادة الطلب على المعدن النفيس ملاذاً آمناً من الاضطرابات، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.
نمت سوق الذهب كثيراً لدرجة أن الحكومة أعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أنها دخلت في شراكة مع شركة تكنولوجيا مالية لتركيب أجهزة الصراف الآلي التي من شأنها توزيع سبائك الذهب بدلاً من النقد.
وفي حين أن سعر المعدن ارتفع عموماً عالمياً، إلا أن سعره في مصر ارتبط بالطلب المرتفع وسعر الدولار في السوق السوداء، مما أدى إلى تقلب الأسعار وهو ما حير المستهلكين والتجار على حد سواء.
حوّلت الاضطرابات الناجمة عن ارتفاع الدولار، الكثير من الناس إلى مضاربين مترددين، وتحكمت حياتهم الشكوك والشائعات.
ووفقاً للصحيفة، فقد بدأ السوق عموماً وليس الذهب فقط يحدد أسعاره على أساس سعر الدولار، وأصبح التحقق من سعر الدولار في السوق السوداء أمراً شائعاً مثل التحقق من توقعات الطقس.
وأما بشأن التجار، فقد توقف الكثير منهم عن البيع تماماً خلال الأزمة، كما أن كثيراً من الناس تأثرت مدخراتها من الذهب سواء في حالة البيع أو الشراء، خاصة مع تراجع سعر الذهب مرة أخرى مع أعلان الصفقات الأخيرة.
والآن ورغم الصفقات الدولارية الجديدة المعلَنة من الحكومة، فإن السوق تجتاحه حالة جديدة من عدم اليقين، لكنها مشوبة بالتفاؤل.